للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان كون القول في الصفات كالقول في الذات]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن الصفات كالذات، فكما أن ذات الله ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس المخلوقات فصفاته ثابتة حقيقة من غير أن تكون من جنس صفات المخلوقات].

هناك قاعدة تقول: القول في الصفات كالقول في الذات، فكما أن لله ذاتاً لا تشبه الذوات فله صفات لا تشبه الصفات.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمن قال: لا أعقل علماً ويداً إلا من جنس العلم واليد المعهودين، قيل له: فكيف تعقل ذاتاً من غير جنس من غير جنس ذوات المخلوقين؟].

يعني: إذا كنت تثبت لله ذاتاً لا تشبه الذوات وتعقل هذا، فأثبت له صفات لا تشبه صفات المخلوقين واعقل هذا؛ فإن الباب واحد.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن المعلوم أن صفات كل موصوف تناسب ذاته وتلائم حقيقته، فمن لم يفهم من صفات الرب الذي ليس كمثله شيء إلا ما يناسب المخلوق فقد ضل في عقله ودينه].

قوله: (فقد ضل في عقله ودينه) أما في دينه فلأنه خالف الكتاب والسنة، وأما في عقله فلأنه لو تأمل بعقله وكان عقله سليماً لعلم أن الخالق لا يشابه المخلوق، فهو مصاب في عقله ودينه، ولا حول ولا قوة إلا بالله! قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وما أحسن ما قال بعضهم: إذا قال لك الجهمي: كيف استوى؟ أو كيف ينزل إلى سماء الدنيا؟ أو كيف يداه؟ ونحو ذلك، فقل له: كيف هو في نفسه؟ فإذا قال لك: لا يعلم ما هو إلا هو، وكنه الباري تعالى غير معلوم للبشر، فقل له: فالعلم بكيفية الصفة مستلزم للعلم بكيفية الموصوف، فكيف يمكن أن تعلم بكيفية صفة لموصوف لم تعلم كيفيته؟].

أي: كيف لم تعلم كيفية الصفة ولا تعلم كيفية الذات؟! قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإنما تعلم الذات والصفات من حيث الجملة على الوجه الذي ينبغي لك.

بل هذه المخلوقات في الجنة قد ثبت عن ابن عباس أنه قال: (ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء)].

يعني: أن الجنة فيها لبن وفيها خمر وفيها عسل وفيها ذهب وفضة، وفيها نساء وفيها حور لكن الكنه والكيفية على ما هي عليه لا نعلمها، وليست سمائها ما نعلم في الدنيا فإذا كانت المخلوقات الآن بعضها لا نعرف كيفيتها فكيف نعلم كيفية صفات المخلوقات التي في الجنة؟! ففي الجنة لبن، لكنه ليس مثل لبن الدنيا في الكيفية والطعم والحقيقة وإن كنا نعلم أصل المعنى، كذلك خمر الجنة ليس كخمر الدنيا، وأنهار العسل المصفى كذلك وهكذا، بل الروح التي بين جنبي الإنسان لا يعلم كيفيتها ولا كنهها ولا حقيقتها على ما هي عليه، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:٨٥] فإن كانت الروح التي بين جنبيك لا تعلم كنهها ولا كيفيتها فكيف يمكنك أن تعلم كيفية صفات الخالق وحقيقتها على ما هي عليه؟ فلا يعلم كيفيتها إلا هو سبحانه وتعالى.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد أخبر الله أنه لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فإذا كان نعيم الجنة وهو خلق من خلق الله كذلك فما الظن بالخالق سبحانه وتعالى].

إذا كان نعيم الجنة على ما هو عليه، يعني: إذا كان الإنسان لا يدرك الإنسان كيفية الجنة وكنهها فالخالق أولى وأولى ألا يُعلم كيفية صفاته وكنه ذاته سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>