للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكلام في الروح وحقيقتها]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذه الروح التي في بني آدم قد علم العاقل اضطراب الناس فيها وإمساك النصوص عن بيان كيفيتها، أفلا يعتبر العاقل بها عن الكلام في كيفية الله تعالى؟].

اضطرب أهل الكلام في الروح فمنهم من قال: إنها صفة من صفات بني آدم، ومنهم من قال: هي الحياة، ومنهم من قال: هي الدم، ومنهم من قال غير ذلك، فاضطربوا فيها كثيراً، وكما قال الله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:٨٥] فإذا كان الإنسان لا يعلم كيفيتها فكيف يمكن أن يعلم كنه صفات الله عز وجل وكيفيتها؟! قال المؤلف رحمه الله تعالى: [مع أنَّا نقطع بأن الروح في البدن، وأنها تخرج منه وتعود إلى السماء، وأنها تسل منه وقت النزع كما نطقت بذلك النصوص الصحيحة، لا نغالي في تجريدها غلو المتفلسفة ومن وافقهم].

المقصود: القبض والإمساك، كما قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى} [الزمر:٤٢] فتوصف القبض والإرسال والإمساك والتوفي، فالله تعالى يتوفى الأنفس، فكل هذه صفات لها، فدل على أنها ذات، لكن الله أعلم بكيفيتها.

والمتفلسفة يقولون: الروح لا توصف بأي وصف، وأن الملائكة مخلوقات مجردة لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت، فيصفون الروح بأنها آلة مجردة لا وجود لها، وكذلك الملائكة، وهذا غلو، وبعضهم يزيد ويقول عن الروح: أنها هي نفس دم الإنسان، وهي نفس الحياة، وهذا قول على الله بلا علم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [لا نغالي في تجريدها غلو المتفلسفة ومن وافقهم، حيث نفوا عنها الصعود والنزول والاتصال بالبدن والانفصال عنه، وتخبطوا فيها حيث رأوها من غير جنس البدن وصفاته، فعدم مماثلتها للبدن لا ينفي أن تكون الصفات ثابتة لها بحسبها، إلا أن يفسروا كلامهم بما يوافق النصوص؛ فيكونون قد أخطئوا في اللفظ وأنى لهم بذلك؟].

يعني: أن كونها لا تماثل البدن لا ينفي أن تكون لها صفات تناسبها، لكن لا نعلمها، ولها كنه ولها حقيقة ولها صفات تناسبها، والنصوص وصفتها بالقبض والإمساك والإرسال، كما قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى} [الزمر:٤٢] وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الروح إذا قبضت تبعها البصر) فهذه كلها تدل على أن الروح حقيقة، والله أعلم بكنهها وكيفيتها.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا نقول: إنها مجرد جزء من أجزاء البدن كالدم والبخار مثلاً، أو صفة من صفات البدن والحياة، وأنها مختلفة الأجساد، ومساوية لسائر الأجساد في الحد والحقيقة، كما يقول طوائف من أهل الكلام، بل نتيقن أن الروح عين موجودة غير البدن، وأنها ليست مماثلة له].

قوله: (عين موجودة) أي: ذات غير البدن، لكنها جسم لطيف، ولا منافاة، فمثلاً: الماء يمشي في العروق وفي الشجر، وكذلك الدم في الجسم، والنار تسري في الفحم وفي الحطب، فهي جسم في جسم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهي موصوفة بما نطقت به النصوص حقيقة لا مجازاً، فإذا كان مذهبنا في حقيقة الروح وصفاتها بين المعطلة والممثلة فكيف الظن بصفات رب العالمين؟].

يعني: أن مذهبنا بين المعطلة الذين عطلوا الروح من الصفات، وبين الممثلة الذين مثلوها بالبدن وجعلوها مثل البدن، فنحن لا نوافقهم كلهم؛ فإن منهم من عطل الروح وقال: إنها مجردة لا داخل العالم ولا خارجه، فوصفها بالمجردات، ومنهم من غلا ووصفها بأنها نفس الدم وهي كذا، ونحن نقول: مذهبنا بين المعطلة والممثلة، وكذلك في صفات الرب نحن بين المعطلة والممثلة، فلا نوافق المعطلة في تعطيلهم، ولا نوافق الممثلة المشبهة في تشبيههم، بل نثبت الصفات لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته مع نفي العلم بالكيفية.

<<  <  ج: ص:  >  >>