للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفقه الأكبر وتعلقه بالتوحيد وأصول الدين]

قال المصنف رحمه الله: [وفي كتاب الفقه الأكبر المشهور عند أصحاب أبي حنيفة الذي رووه بالإسناد عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي قال: سألت أبا حنيفة عن الفقه الأكبر فقال: لا تكفرن أحداً بذنب، ولا تنفِ أحداً من الإيمان به، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر].

الفقه الأكبر هو ما يتعلق بالتوحيد وأصول الدين، ويقابله الفقه الأصغر، وهو فقه الأحكام الفرعية، قال: (لا تكفرن أحداً بذنب) هذا هو معتقد السنة والجماعة لا يكفروا المسلم بالذنب الذي دون الشرك، فلا يكفر إلا بالشركين.

قال: [وتعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك].

هذا هو الإيمان بقدر الله.

أما مسألة التكفير بالذنب فقد جاء في الطحاوية ذكر عموم السلب وسلب العموم، فعموم السلب هو قول القائلين: نكفر بكل ذنب وهو مذهب الخوارج، أما سلب العموم فهو قول القائلين: كل ذنب لا يكفر به، وهو مذهب المرجئة، والقول الوسط قول القائلين: لا نكفر بكل ذنب وهو قول أهل السنة، فمذهب أهل السنة ألا نكفر بكل ذنب بل نكفر بالذنوب الكفرية، أما المرجئة فإنهم لا يكفرون مطلقاً حتى بالذنوب الكفرية، والخوارج يكفرون بكل ذنب وكل كبيرة، وأهل السنة يقولون: لا نكفر بكل ذنب، إنما إذا كان هذا الذنب يوصل إلى الكفر فإنه لا يكفر إلا بعد قيام الحجة.

وإذا استحل المرء الكبائر صار كافراً، كأن يكون استحل الكبيرة واستحل الزنا والربا والخمر هذا كفر.

قال: [ولا تتبرأ من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا توالِ أحداً دون أحد].

هذا كما يفعل الرافضة فإنهم تبرءوا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: ولا توالِ أحداً دون أحد، أي: لا توالِ بعض الصحابة دون البعض الآخر، كالشيعة والرافضة فإنهم يوالون علياً وأهل البيت، ويتبرءون من بقية الصحابة].

قال: [وأن ترد أمر عثمان وعلي رضي الله عنهما إلى الله عز وجل].

أي: لا تتكلم فيما شجر بينهم واعلم أن لهم من الفضل والسوابق ما تغطي ما صدر عنهم، وما صدر عنهم اجتهاد، وهم مابين مجتهد مصيب له أجران، وما بين مجتهد مخطئ له أجر، فـ علي رضي الله عنه في قتاله مع معاوية كلً منهما مجتهد لكن دلت النصوص على أن علياً ومن معه هم المصيبون فلهم أجران، ومعاوية وأهل الشام مخطئون فاتهم أجر الصواب ولهم أجر الاجتهاد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمار تقتله الفئة الباغية فقتله جيش معاوية (وتمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق) فخرجت الخوارج فقتلهم علي رضي الله عنه.

قال: [قال أبو حنيفة رحمه الله: الفقه الأكبر في الدين خير من الفقه في العلم، ولأن يفقه الرجلُ كيف يعبد ربَّه خير له من أن يجمع العلم الكثير].

الفقه الأكبر في الدين يعني: الفقه في عبادة الله وتوحيده، وأن يتفقه كيف يعبد ربه، وهذا الفقه يشبه علوماً أخرى في الفروع، كما في سورة البقرة في غير التوحيد والعبادة - هذا فقه وهذا فقه - لكن هذا هو الفقه الأكبر، وهو الفقه في عبادة الله وتوحيده، وفي أسمائه وصفاته.

قال: [قال أبو مطيع: قلت: فأخبرني عن أفضل الفقه، قال: يتعلّم الرجلُ الإيمانَ والشرائع والسننَ والحدودَ واختلافَ الأئمة، وذكر مسائل في الإيمان، ثم ذكر مسائل في القدر، والرد على القدرية بكلام حسن ليس هذا موضعه.

ثم قال: قلت: فما تقول فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيتبعه على ذلك أناس، فيخرج على الجماعة هل ترى ذلك؟ قال: لا، قلت: ولم وقد أمر الله ورسوله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو فريضة واجبة؟ قال: هو كذلك؛ لكن ما يفسدون أكثر مما يصلحون].

من أكبر الكبائر الخروج على جماعة المسلمين بدعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مثال ذلك كأن يرى في البلد مثلاً شرب خمر أو فجوراً فيحرص على الخروج على جماعة المسلمين وعلى ولي الأمر بدعوى أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإذا ذكرته بحديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس هذا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو يبايع ولي الأمر ثم يخرج عليه؛ لأنه إذا خرج على الجماعة وعلى ولي الأمر قد يغير شرب الخمر أو سفور النساء، لكن يقع في إراقة الدماء وتفريق المسلمين وفي إفزاع الناس، ويتربص بهم العدو الدوائر، وتأتي فتن تقضي على الأكثر، فأيها أعظم هذه، أو شرب الخمر؟ ولذلك بين أبو حنيفة رحمه الله أنه يفسد في الأرض؛ لأن الخروج على جماعة المسلمين وولاة الأمر يترتب عليه ما لا يحمد عقباه، فينبغي للإنسان أن لا يرتكب المفاسد العظيمة من أجل أن يزيل مفسدة صغرى وهي إنكار المنكر، فإن إنكار المنكر يحل بطرق إيجابية لا بالوسائل السلبية ولا بالعنف، ولا بالخروج، ولا بالقتال، بل بالبيان والإيضاح والمناصحة ومشاورة أهل الحل والعقد، فإن منعوا هذا المنكر وإلا فقد أديت ما عليك وهذا هو الفقه، وهذا هو البصيرة، أما كون إنسان يكون عنده غيرة غير موافقة للشرع تؤدي به إلى القتال وإلى منكر أكبر فهذا نشاط مخالف للشرع وهو باطل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال: هو كذلك، ولكن ما يفسدون أكثر مما يصلحون من سفك الدماء واستحلال الحرام].

<<  <  ج: ص:  >  >>