للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات صفة النفس لله جل وعلا]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم إني قائل -وبالله أقول-: إنه لما اختلفوا في أحكام التوحيد، وذكر الأسماء والصفات على خلاف منهج المتقدمين من الصحابة والتابعين، فخاض في ذلك من لم يعرفوا بعلم الآثار، ولم يعقلوا قولهم بذكر الأخبار، وصار معولهم على أحكام هواجس النفوس المستخرجة من سوء الطوية ما وافق على مخالفة السنة].

قوله: سوء الطوية، يعني: النية السيئة، أي: سبب القصد السيئ.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وصار معولهم على أحكام هواجس النفوس المستخرجة من سوء الطوية؛ ما وافق على مخالفة السنة، والتعلق منهم بآيات لم يسعدهم فيها ما وافق النفوس، فتأولوا على ما وافق هواهم، وصححوا بذلك مذاهبهم؛ احتجت إلى الكشف عن صفة المتقدمين، ومأخذ المؤمنين، ومنهاج الأولين، خوفاً من الوقوع في جملة أقاويلهم التي حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، ومنع المستجيبين له حتى حذرهم.

ثم ذكر أبو عبد الله خروج النبي صلى الله عليه وسلم وهم يتنازعون في القدر وغضبه، وحديث: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته)، والحديث هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج على الصحابة وهم يتنازعون في القدر، فغضب وقال: (أبهذا أمرتم؟ أبهذا وكلتم؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، ما علمتم منه فاعملوا به، وما لم تعلموا منه فكلوه إلى عالمه)، وهذا الحديث لا بأس بسنده، والحديث الآخر: (لا ألفين أحدكم جالساً على أريكته يأتيه الحديث عني فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا في كتاب الله عملنا به، وما لم يوجد في كتاب الله فلا نعمل به، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه).

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وحديث: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)، وأن الناجية ما كان عليه هو وأصحابه؛ ثم قال: فلزم الأمة قاطبة معرفة ما كان عليه الصحابة، ولم يكن الوصول إليه إلا من جهة التابعين لهم بإحسان، المعروفين بنقل الأخبار، ممن لا يقبل المذاهب المحدثة، فيتصل ذلك قرناً بعد قرن ممن عرفوا بالعدالة والأمانة، الحافظين على الأمة ما لهم وما عليهم من إثبات السنة.

إلى أن قال: فأول ما نبتدئ به ما أوردنا هذه المسألة من أجلها: ذكر أسماء الله عز وجل وصفاته مما ذكر الله في كتابه، وما بين صلى الله عليه وسلم من صفاته في سنته، وما وصف به عز وجل نفسه مما سنذكر قول القائلين بذلك، مما لا يجوز لنا في ذلك أن نرده إلى أحكام عقولنا بطلب الكيفية بذلك، ومما قد أمرنا بالاستسلام له، إلى أن قال: ثم إن الله تعالى تعرف إلينا بعد إثبات الوحدانية وإقرار الألولهية: أن ذكر تعالى في كتابه بعد التحقيق بما بدأ به من أسمائه وصفاته، وأكده صلى الله عليه وسلم بقوله، فقبلوا منه كقبولهم لأوائل التوحيد من ظاهر قوله: لا إله إلا الله.

إلى أن قال: بإثبات نفسه بالتفصيل من المجمل، فقال لموسى عليه السلام: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:٤١]، وقال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:٢٨]، ولصحة ذلك واستقراره ناجاه المسيح عليه السلام فقال: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة:١١٦]، وقال عز وجل: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:٥٤]، وأكد عليه الصلاة والسلام صحة إثبات ذلك في سنته فقال: (يقول الله عز وجل: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)، وقال صلى الله عليه وسلم: (كتب كتاباً بيده على نفسه: إن رحمتي سبقت غضبي)، وقال: (سبحان الله رضا نفسه)، وقال في محاجة آدم لموسى: (أنت الذى اصطفاك الله، واصطنعك لنفسه)].

كل هذه النصوص تثبت النفس لله عز وجل، وبأن لله نفساً كريمة، موصوفة بالصفات العظيمة التي وصف بها نفسه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فقد صح -وفي نسخة: صرح- بظاهر قوله أنه أثبت لنفسه نفساً، وأثبت له الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فعلى من صدق الله ورسوله اعتقاد ما أخبر الله به عن نفسه، ويكون ذلك مبنياً على ظاهر قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١].

ثم قال: فعلى المؤمنين -خاصتهم وعامتهم- قبول كل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم بنقل العدل عن العدل حتى يتصل به صلى الله عليه وسلم].

<<  <  ج: ص:  >  >>