للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما يجوز من الاستغاثة وما لا يجوز]

يقول المؤلف: مع أن استغاثة العباد يوم القيامة بالأنبياء إنما هي ليدعوا الله لهم ليفصل بينهم يوم القيامة بالحساب حتى يريحهم من هول الموقف، وهذا لا شك في جوازه، أعني طلب دعاء الله تعالى من بعض عباده لبعض.

ويعني رحمه الله: أن العباد حينما يستغيثون يوم القيامة بآدم ثم بنوح ثم بإبراهيم ثم بموسى ثم بعيسى ثم بمحمد، هذه استغاثة حي بحي، وهذا لا بأس به؛ لأن الناس أحياء والأنبياء أحياء، واستغاثة الحي بالحي القادر لا إشكال فيها، والممنوع هو: استغاثة الحي بالميت، أو بالغائب، أو بالحي غير القادر، ولهذا قال المؤلف: وهذا لا شك في جوازه، أعني: طلب دعاء الله تعالى من بعض عباده لبعض، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لـ عمر رضي الله عنه لما خرج معتمراً: (لا تنسنا يا أخي من دعائك)، وفي لفظ: (لا تنسني يا أخي من دعائك)، لكن هذا الحديث فيه ضعف؛ لأن في سنده عاصم بن عبيد الله العمري وهو ضعيف، ولكن المعنى صحيح، وقد دلت النصوص على أنه لا بأس بدعاء الحي للحي، ومن ذلك قول الله تعالى وقد أثنى على الأحياء لاستغفارهم لمن سبقهم بالإيمان: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:١٠]، وقد قالت أم سليم رضي الله عنها: (يا رسول الله خادمك أنس، ادع الله له)، وهذا في الصحيحين وغيرهما، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم لـ أنس، وهذا دعاء حي حاضر لحي حاضر.

يقول المؤلف: وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يطلبون الدعاء منه صلى الله عليه وسلم وهو حي، وهذا أمر متفق على جوازه، يعني دعاء الحي للحي، والكلام في طلب القبوريين من الأموات أو من الأحياء الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً أن يشفوا مرضاهم، هذا هو الشرك، وهو طلب بعض الأحياء من صاحب القبر أن يشفي مريضه، أو طلبهم من الحي غير القادر أن يشفي مرضاهم وليس من شاف إلا الله، أو أن يرد الغائب، أو ينفس عن الحبلى -أي: الحامل-، أو يسقي زرعهم، أو يدر ضروع مواشيهم، أو يحفظها من العين، فكل هذا شرك، سواء طلبه من الميت أو من الغائب أو من الحي الحاضر؛ لأن هذا لا يقدر عليه إلا الله، ونحو ذلك من المطالب التي لا يقدر عليها إلا الله.

يقول المؤلف: هؤلاء الذين قال الله تعالى فيهم: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} [الأعراف:١٩٧] أي: هم لا ينصرون أنفسهم فكيف ينصرونكم؟ وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف:١٩٤] فكيف يطلب الإنسان من الجماد، أو من حي الجماد خير منه!! لأنه لا تكليف عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>