للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الجواب على من زعم أن الأمة اجتمعت على ضلالة]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن قلت: يلزم من هذا أن الأمة قد اجتمعت على ضلالة حيث سكتت عن إنكارها لأعظم جهالة.

قلت: حقيقة الإجماع اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمرٍ بعد عصره، وفقهاء المذاهب الأربعة يحيلون الاجتهاد من بعد الأربعة، وإن كان هذا قولاً باطلاً وكلاماً لا يقوله إلا من كان للحقائق جاهلاً، فعلى زعمهم: لا إجماع أبداً من بعد الأئمة الأربعة، فلا يرد السؤال؛ فإن هذا الابتداع والفتنة بالقبور لم يكن على عهد أئمة المذاهب الأربعة، وعلى ما نحققه: فالإجماع وقوعه محال؛ فإن الأمة المحمدية قد ملأت الآفاق، وصارت في كل أرض وتحت كل نجم، فعلماؤها المحققون لا ينحصرون، ولا يتم لأحد معرفة أحوالهم، فمن ادعى الإجماع بعد انتشار الدين وكثرة علماء المسلمين فإنها دعوى كاذبة كما قاله أئمة التحقيق.

ثم لو فرض أنهم علموا بالمنكر وما أنكروه بل سكتوا عن إنكاره لما دل سكوتهم على جوازه؛ فإنه قد علم من قواعد الشريعة أن وظائف الإنكار ثلاثة: أولها: الإنكار باليد، وذلك بتغيير المنكر وإزالته.

ثانيها: الإنكار باللسان مع عدم استطاعة التغيير باليد.

ثالثها: الإنكار بالقلب عند عدم استطاعة التغيير باليد واللسان، فإن انتفى أحدها لم ينتف الآخر، ومثاله: مرور فرد من أفراد علماء الدين بأحد المكاسين وهو يأخذ أموال المظلومين، فهذا الفرد من علماء الدين لا يستطيع التغيير على هذا الذي يأخذ أموال المساكين ولا باللسان؛ لأنه يكون سخرية لأهل العصيان، فانتفى شرط الإنكار بالوظيفتين، ولم يبق إلا الإنكار بالقلب الذي هو أضعف الإيمان.

فيجب على من رأى ذلك العالم ساكتاً عن الإنكار مع مشاهدة ما يأخذه ذلك الجبار أن يعتقد أنه تعذر عليه الإنكار باليد واللسان، وأنه قد أنكر بقلبه، فإن حسن الظن بالمسلمين أهل الدين واجب، والتأويل لهم ما أمكن ضربة لازب، فالداخلون إلى الحرم الشريف، والمشاهدون لتلك الأبنية الشيطانية التي فرقت كلمة الدين، وشتتت صلوات المسلمين معذورون عن الإنكار إلا بالقلب كالمارين على المكاسين وعلى القبوريين].

المؤلف رحمه الله أيضاً يورد سؤالاً ثم يجيب عنه، فيقول: إن قلت: يلزم من هذا أن الأمة قد اجتمعت على ضلالة حيث سكتت عن إنكارها لأعظم جهالة.

أي: أنت تقول: الآن القبور منتشرة والعلماء ساكتون، والمكوس منتشر والعلماء ساكتون، والمقامات في المسجد الحرام ما أنكرت والعلماء ساكتون، فيلزم من هذا أن الأمة قد تجتمع على ضلالة، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، فما الجواب عن ذلك؟ نقول: إنهم ما سكتوا، فالعلماء بينوا، ولكن العلماء يختلفون فمنهم من يستطيع الإنكار فينكر، ومنهم من لا يستطيع فيكون معذوراً وينكر بقلبه، ومن أنكر قامت به الحجة.

والمؤلف أجاب فقال: حقيقة الإجماع اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر بعد عصره.

فهذا هو الإجماع؛ أن يجتمع العلماء المجتهدون بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم على شيء، وأما في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فالحجة في كلام الله وكلام رسوله، لكن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتمع العلماء المجتهدون على شيء صار إجماعاً لا يجوز مخالفته.

ويقول المؤلف: وفقهاء المذاهب الأربعة يحيلون الاجتهاد من بعد الأربعة، يعني يقولون: بعد الأئمة الأربعة لا يوجد إجماع، فهذا الإجماع مستحيل؛ لأن العلماء انتشروا في الأمصار، ولا يمكن حصر أقوالهم، فالذي يقول: إنهم أجمعوا فهذا كلام ليس بصحيح؛ لأنك لو حصرت بعض الأقوال في الشام وفي مصر وفي المغرب وفي المدينة وفي مكة وفي نجد وفي كل مكان فلا تستطيع أن تحصر جميع العلماء، فقد يوجد عالم في بيته لا أحد يعلم عنه، ولا أخذ رأيه ولا قوله، فكيف يكون إجماعاً؟ ولهذا يقول المؤلف: وإن كان هذا قولاً باطلاً لا يقوله إلا من كان للحقائق جاهلاً، فعلى زعمهم لا إجماع أبداً من بعد الأئمة الأربعة؛ فإن هذا الابتداع والفتنة بالقبور لم يكن على عهد أئمة المذاهب الأربعة.

يقول: القبور إنما حصلت بعد الأئمة الأربعة، والفقهاء يقولون: لا إجماع بعد الأئمة الأربعة، وعلى ما نحققه من أن الإجماع وقوعه محال؛ لأن علماء الأمة انتشروا في كل مكان، فإن الأمة المحمدية قد ملأت الآفاق، وصارت في كل أرض، وتحت كل نجد، فعلماؤها المحققون لا ينحصرون، فمن يحصي العلماء؟ ومن يستطيع أن يأخذ أقوال أهل العلم حتى يحصر الإجماع؟! لا يتم لأحد معرفة أحوالهم، فمن ادعى الإجماع بعد انتشار الدين وكثرة علماء المسلمين فإنها دعوى كاذبة كما قاله أئمة التحقيق.

يعني: هذا قول يقوله أئمة التحقيق، يقولون: إن من ادعى الإجماع بعد انتشار العلماء في كل مكان فهو كاذب.

وبعض العلماء يقول: يمكن وقوع الإجماع، ولهذا الأصوليون ذكروا إجماع مجتهدي العصر، وقالوا: الإجماع يكون في كل زمان، وقد ثبت عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: من ادعى الإجماع فهو كاذب.

يعني: بعد الصحابة، نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: إن الإجماع الذي ينضبط هو إجماع الصحابة؛ لأن الصحابة محصورون، أما بعد عصر الصحابة فالعلماء كثروا وانتشروا في الآفاق فلا يمكن حصر أقوالهم، أما في عصر الصحابة فيمكن حصر أقوالهم.

وهناك من أهل العلم من قال: إنه يمكن الإجماع في كل عصر، وقال: إن الإجماع هو اتفاق مجتهدي العصر على أمر، فإذا اتفق أهل العصر ولم يخالف أحد ثبت الإجماع، وهذا يذكره العلماء الأصوليون في الإجماع.

والمؤلف رحمه الله يقول: الإجماع مستحيل، ولا يمكن أخذ آراء جميع العلماء، ونقل عن فقهاء المذاهب أنهم يقولون: الاجتهاد بعد الأئمة الأربعة مستحيل، وأما في زمن الأئمة الأربعة فلا، وأما الإمام أحمد رحمه الله فإنه يرى أن الإجماع الذي ينضبط إنما هو في عصر الصحابة، وأما بعد عصر الصحابة فلا ينضبط، ولهذا قال: من ادعى الإجماع فهو كاذب.

<<  <  ج: ص:  >  >>