للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سكوت العلماء عن المنكر لا يدل على جوازه]

يقول المؤلف: ثم لو فرض أنهم علموا بمنكر وما أنكروه بل سكتوا عن إنكاره لما دل سكوتهم على جوازه؛ فإنه قد علم من قواعد الشريعة أن وظائف الإنكار ثلاثة: أولها: الإنكار باليد، وذلك بتغيير المنكر وإزالته.

ثانيها: الإنكار باللسان مع عدم استطاعة التغيير باليد.

وثالثها: الإنكار بالقلب عند عدم استطاعة التغيير باليد واللسان، فإن انتفى أحدهما لم ينتف الآخر.

يعني: لو فرض وقدر أن العلماء علموا بالمنكر وما أنكروه وسكتوا عنه لما كان سكوتهم دليلاً على الجواز؛ لأن مراتب الإنكار ثلاثة كما في حديث أبي سعيد الذي رواه الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).

فالعلماء قد يسكتون إذا عجزوا عن الوظيفة الأولى والثانية، إذا عجزوا عن الإنكار باليد واللسان، وأنكروا بالقلب، فلا يكون سكوتهم حجة.

ومثل المؤلف بمثال، فقال: ومثاله: مرور فرد من أفراد علماء الدين بأحد المكاسين وهو يأخذ أموال المظلومين، فهذا الفرد من علماء الدين لا يستطيع التغيير على هذا الذي يأخذ أموال المساكين باليد ولا باللسان؛ لأنه يكون سخرية لأهل العصيان، فانتفى شرط الإنكار بالوظيفتين، ولم يبق إلا الإنكار الذي هو أضعف الإيمان].

يقول: لو مر أحد العلماء بالمكاس الذي يأخذ الضرائب على المظلومين وسكت، فهل يكون سكوته دليلاً على الجواز؟، لا؛ لأنه لا يستطيع الإنكار لكن نقول: هذا إذا كان يخشى أن يصيبه ضرر في بدنه أو ماله، وأما إذا كان لا يخشى فقد ينكر باللسان، وإذا لم ينكر هو فقد أنكر غيره.

يقول المؤلف: فيجب على من رأى ذلك العالم ساكتاً عن الإنكار مع مشاهدة ما يأخذه ذلك الجبار -يعني الذي يأخذ الضرائب- أن يعتقد أنه تعذر عليه الإنكار باليد واللسان، وأنه قد أنكر بقلبه؛ فإن حسن الظن بالمسلمين أهل الدين واجب، والتأويل لهم ما أمكن ضربة لازب.

يقول: إذا رأيت عالماً ساكتاً فالتمس له العذر، وأحسن الظن به أنه عاجز عن الإنكار باليد واللسان.

ثم يقول المؤلف رحمه الله: فالداخلون إلى الحرم الشريف، والمشاهدون لتلك الأبنية الشيطانية، المراد: المقامات الأربعة: مقام الشافعي، ومقام الحنفي، ومقام المالكي في زمان المؤلف.

يقول: الذي يدخل المسجد الحرام ويشاهد هذه الأبنية الشيطانية التي فرقت كلمة الدين، وشتتت صلوات المسلمين معذورون عن الإنكار إلا بالقلب كالمارين على المكاسين وعلى القبوريين، والذين كانوا يدخلون المسجد الحرام وما أنكروا هذه المقامات الأربعة معذورين؛ لأنهم لا يستطيعون، ومثله الذي يمر على القبور معذور، لكن نقول للمؤلف: لا، هل كل الذين دخلوا المسجد الحرام ما أنكروا؟ فيوجد من أنكر باللسان لكن ما قبل منه، فقد أدى ما عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>