للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما كتبت هذه الأخبار وإن كانت خارجة عن غرض هذا التعريف بالمؤلف، لأن

فيها تحقيقاً لهذه الواقعات، وهي مذكورة في أماكنها من الكتاب، فربما يحتاج الناظر إلى تحقيقها من هذا الموضع.

وبعد قضاء الفريضة، رجعت إلى القاهرة محفوفاً بستر الله ولطفه ولقيت السلطان، فتلقاني - أيده الله - بمعهود مبرته وعنايته. وكانت فتنة الناصري بعدها سنة إحدى وتسعين. ولحقت السلطان النكبة التي محصه الله فيها وأقاله، وجعل إلى الخير فيها عاقبته ومآله، ثم أعاده إلى كرسيه للنظر في مصالح عباده، فطوقه القلادة التي ألبسه كما كانت، فأعاد لي ما كان أجراه من نعمته، ولزمت كسر البيت ممتعاً بالعافية، لابساً برد العزلة، عاكفاً على قراءة العلم وتدريسه، لهذا العهد فاتح سبع وتسعين.

[ولاية الدروس والخوانق]

أهل هذه الدولة التركية بمصر والشام معنيون - على القدم منذ عهد مواليهم ملوك بني أيوب - بإنشاء المدارس لتدريس العلم، والخوانق لإقامة رسوم الفقراء في التخلق بآداب الصوفية السنية في مطارحة الأذكار، ونوافل الصلوات. أخذوا ذلك عمن قبلهم من الدوال الخلافية، فيختطون مبانيها ويقفون الأراضي المغلة للإنفاق منها على طلبة العلم، ومتدربي الفقراء. وإن استفضل الريع شيئاً عن ذلك، جعلوه في أعقابهم خوفاً على الذرية الضعاف من العيلة. واقتدى بسنتهم في ذلك من تحت أيديهم من أهل الرياسة والثروة، فكثرت لذلك المدارس والخوانق بمدينة القاهرة، وأصبحت معاشاً للفقراء من الفقهاء والصوفية، وكان ذلك من محاسن هذه الدولة التركية، وآثارها الجميلة الخالدة.

وكنت لأول قدومي على القاهرة، وحصولي في كفالة السلطان، شغرت مدرسة بمصر من إنشاء صلاح الدين بن أيوب، وقفها على المالكية يتدارسون بها الفقه، ووقف عليها أراضي من الفيوم تغل القمح، فسميت لذلك القمحية، كما وقف

أخرى

<<  <   >  >>