للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم من قال: إن العمل شرط كمال في الإيمان وحكم متابعته]

السؤال

يعتبر العلامة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ممن جدد علم الحديث ونشر السنة، وكان شوكة في حلوق أهل البدع، ولكنه -رحمه الله- أخطأ وغلط في مسألة الإيمان، حيث وافق المرجئة حينما قال: إن العمل شرط كمال وليس ركنه جزءاً من أجزاء الإيمان، فهل من قال هذا الكلام صحيح؟ وهل يتابع الشيخ، ويقال: إنه حجتي عند الله؛ فإن طلاب الشيخ إذا ناقشناهم قالوا هذا الكلام، وزعموا أن الشيخ أعرف بمذهب السلف؟

الجواب

الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله محدث، وله اليد الطولى في الحديث، فقد خدم السنة خدمة عظيمة، نسأل الله أن يغفر له ويرحمه، لكنه ليس بمعصوم، فإذا كان قال: إن العمل خارج من مسمى الإيمان فقد وافق أبا حنيفة وأصحابه، وأبو حنيفة إمام من الأئمة، وسبق أن الخلاف بينه وبين أهل السنة خلاف لفظي لا يترتب عليه فساد في العقيدة، إنما الخلاف الذي يترتب عليه فساد في العقيدة خلاف الجهمية المرجئة المحضة، أما مرجئة الفقهاء فإنهم من أهل السنة وإن كانوا خالفوا في هذه المسألة، وهم من أهل العلم والدين كما قال المؤلف أبو عبيد رحمه الله، ولكنهم غلطوا وأخطئوا في أمر يكون فيه اشتباه، لكن المصيبة في مذهب الجهمية.

فالمقصود أن الشيخ الألباني ومن هو أكبر منه غلط في هذا، ومن غلط يترحم عليه ويدعى له بالمغفرة، ولا يتبع في الغلط، وكل إمام من الإئمة يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي.

ويقول: إذا قلت قولاً يخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذوا بقول رسول الله واضربوا بقولي عرض الحائط، قال هذا أبو حنيفة والشافعي وأحمد ومالك، وكلهم يغلطون وكلهم يخطئون، وليس هناك أحد لا يخطئ، فإذا غلط العالم أو الكبير فإنه يترحم عليه ويدعى له ويلتمس له العذر، والخطأ مردود عليه ولا يتبع فيه، وإنما يتبع القول الصواب والقول الصحيح الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والحق أحق أن يتبع، ويجب على طلابه -إذا كان الشيخ قد قال هذا الكلام- ألا يتبعوه في هذا، وأن يقبلوا الحق، والسلف والأئمة العلماء كانوا يرجعون عن الخطأ، فهذا عمر بن الخطاب الخليفة الراشد رضي الله عنه جاءه الإخوة الأشقاء في مسألة المشتركة، وهي: زوج وأم وإخوة لأم وإخوة أشقاء، فقسم الميراث على ما في كتاب الله، وأعطى الزوج النصف والأم السدس، والباقي للإخوة للأم، ولم يعط الإخوة الأشقاء شيئاً، ثم حدثت هذه المسألة بعد مدة نحو سنتين، فجاءوا فأشرك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم، فقالوا له: يا أمير المؤمنين! إنك قضيت فيما مضى ولم تشرك الإخوة، فقال: تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي.

أي: تبين له الحق فرجع إليه، والإمام أحمد رحمه الله قد يكون له في المسألة سبع روايات، حيث يتبين له الحق فيقول بهذا القول، والإمام الشافعي له قولان: قول جديد وقول قديم، قول قديم في العراق، والقول الجديد في مصر، ومازال العلماء يرجعون عن الخطأ وعن القول الذي يتبين لهم أنه خطأ في الفروع وفي الأصول، وليس هناك أحد معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو معصوم فيما يبلغ عن الله، ومعصوم من الشرك ومن الكبائر، أما غيره فليس هناك أحد معصوم، لا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ولا من هو أكبر منه.

وكان الصحابة يرد بعضهم على بعض، وقد يغلطون في بعض المسائل، فهذه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة غلطت، وذلك حين جاءت إلى أبي بكر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: أعطني ميراثي من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نحن -معاشر الأنبياء- لا نورث، ما تركناه صدقة)، وروى هذا الحديث عدد من الصحابة، ولكنها لم تقنع رضي الله عنها، وولت وهجرت أبا بكر حتى توفيت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، فهي غلطت، والصواب مع أبي بكر، وليست معصومة وهي سيدة نساء أهل الجنة، وعائشة رضي الله عنها لما حصل الخلاف بين علي رضي الله عنه والخلاف بينه وبين معاوية جاءت ومعها طلحة والزبير تطالب بدم عثمان، وخطب عمار بن ياسر الناس وقال: (إنها أم المؤمنين أمكم، وهي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، وإن الله ابتلاكم بها)، فهي غلطت وأخطأت، والحق مع علي رضي الله عنه، فليس هناك أحد لا يغلط ولا يخطئ، فإذا غلط الشيخ ناصر الدين الألباني في هذه المسألة أو غلط من هو أكبر منه فالحجة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه الصحابة والتابعون والأئمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>