للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأدلة من السنة على أن قواعد الإيمان يأتي بعضها بعد بعض]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما الحجة من السنة والآثار المتواترة في هذا المعنى من زيادات قواعد الإيمان بعضها بعد بعض ففي حديث منها أربع، وفي آخر خمس، وفي الثالث تسع، وفي الرابع أكثر من ذلك، فمن الأربع حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن وفد عبد القيس قدموا عليه فقالوا: يا رسول الله! إنا هذا الحي من ربيعة وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر، فلسنا نخلص إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر نعمل به وندعو إليه من وراءنا، فقال: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله) ثم فسره لهم: (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم، وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمقير).

قال أبو عبيد: حدثناه عباد بن عباد المهلبي حدثنا أبو جمرة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم].

هذا الحديث صحيح ثابت في الصحيحين وفي غيرهما، وهو حديث وفد عبد القيس، فهذا دليل من السنة، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: [وأما الحجة من السنة والآثار المتواترة في هذا المعنى من زيادات قواعد الإيمان بعضها بعد بعض] يعني: وأما الأدلة من السنة ومن الآثار فإنها متواترة من جهة المعنى، فقد بلغت حد التواتر من جهة المعنى، فكلها متعاضدة ويقوي بعضها بعضاً وتدل على أن الإيمان يزيد وينقص، وأن قواعد الإيمان يأتي بعضها بعد بعض، ويدل على ذلك أن في بعض الأحاديث ذكر أن الإيمان أربعة أشياء، وفي بعض الأحاديث ذكر أن الإيمان خمسة أشياء، وفي بعضها ذكر أن الإيمان تسعة، وفي بعضها أكثر من ذلك، بل في حديث أبي هريرة: (الإيمان بضع وسبعون شعبة) كلها من الإيمان، فهذا يدل على أن الإيمان يزيد وينقص، وأن قواعد الإيمان نزل بعضها بعد بعض، ثم ذكر مثالاً للأربع فقال: مثال الأربع حديث ابن عباس في وفد عبد القيس، وهو حديث مشهور، وبنو عبد القيس أسلموا قديماً، وكانوا في المنطقة الشرقية، وهي الآن في الأحساء، وبلدتهم هي جواثا، ومسجد جواثا هو ثاني مسجد أقيمت فيه الجمعة، إذ الأولى كانت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

فهؤلاء أسلموا قديماً، وكان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة مسافة، وكانت بين العرب حروب ولكنهم كانوا يتوقفون عن الحرب في الأشهر الحرم، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وشهر رجب، فوفد عبد القيس كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم مسافة، فقالوا: يا رسول الله! إن هذا الحي من ربيعة يسكن في مكان بعيد عن المدينة، ولا نستطيع أن نصل إليك، وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر يقاتلوننا، فلا نخلص إليك إلا في شهر حرام، أما في غير ذلك فلا نستطيع، فمرنا -يا رسول الله- بأمر نعمل به وندعو إليه من وراءنا.

أي: أعطنا من جوامع الكلم، ما نعمل به ونخبر به من وراءنا.

فقال: (آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع)، ثم ذكر لهم أول الأربع، وهو الإيمان، ثم فسر الإيمان فقال: (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم) ففسره بأربعة أشياء: الشهادة لله تعالى بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأداء الخمس.

فدل على أن قواعد الإيمان يأتي بعضها بعد بعض.

وقال: (أنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمقير) وهذه أوعية كانوا ينتبذون بها الشراب، فيجعلون فيها عصيراً كالتمر أو العنب أو غيرهما ويجعلونه في هذه الأوعية، والمزفت هو المطلي بالقار، والنقير جذع النخل ينقرون وسطه، والحنتم جرار خضر من الطين المصلي بالنار، والدبا القرع اليابس، فهذه الأشياء الصلبة كانوا يجعلون فيها العصير من التمر، أو من الشعير، أو من الزبيب، ويضعون عليه الماء فيكون شراباً حلواً، يشربون منه اليومين والثلاثة، لكنه بعد مدة مع شدة الحر يصير خمراً بعد ثلاثة أيام في الغالب، فيتخمر ولا يدرون به فيشربونه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لا تضعوا العصير في هذه الأشياء لأنه يتخمر، ولكن ضعوا العصير في الأسقية من الجلد؛ لأنها إذا تخمر فيها العصير تمزقت، فعرفتم أنها خمر فتجتنبونها، أما هذه الأشياء الصلبة فإنها يتخمر فيها العصير ولا تعلمون فتشربون الخمر.

ثم بعد ذلك لما استقرت الشريعة وعرف الناس تحريم الخمر نسخ ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (انتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا الخمر).

[ومن الخمس حديث ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)].

حديث ابن عمر هذا في الصحيحين، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الإسلام فقال: (بني الإسلام على خمس) وفي حديث جبريل كذلك ذكر هذه الخمس، وبين أنها دعائم الإسلام وأركانه، وهي: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والإسلام إذا أطلق دخل فيه الإيمان، والإيمان فسره في حديث وفد عبد القيس بأربع، وفي حديث ابن عمر بخمس، فدل على أن الإيمان متعدد.

[قال أبو عبيد: حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي عن حنظلة عن أبي سفيان عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن التسع حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن للإسلام صوى ومناراً كمنار الطريق) قال أبو عبيد: هي ما غلظ وارتفع من الأرض، واحدتها صوة، منها أن تؤمن بالله ولا تشرك به شيئاً، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تسلم على أهلك إذا دخلت عليهم، وأن تسلم على القوم إذا مررت بهم، فمن ترك من ذلك شيئاً فقد ترك سهماً من الإسلام، ومن تركهن فقد ولى الإسلام ظهره.

].

هذا الحديث فيه بيان أن للإسلام قوى ومناراً كمنار الطريق، أي: علامات ودلائل تدل على الإسلام، وذكر منها أن تؤمن بالله ولا تشرك به شيئاً، وهذا هو أصل الدين، والثاني إقام الصلاة، والثالث إيتاء الزكاة، والرابع صوم رمضان، والخامس حج البيت، والسادس الأمر بالمعروف، والسابع النهي عن المنكر، والثامن أن تسلم على أهلك إذا دخلت عليهم، والتاسع أن تسلم على القوم إذا مررت بهم، قال في آخر الحديث: (فمن ترك من ذلك شيئاً فقد ترك سهماً من الإسلام، ومن تركهن -يعني جميعاً- فقد ولى الإسلام ظهره) أي: فقد ترك الإسلام؛ لأن أولهن التوحيد، والتوحيد هو أصل الدين وأساس الملة.

[قال أبو عبيد: حدثنيه يحيى بن سعيد عن عطاء عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن رجل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم].

هذا الحديث أخرجه جمع منهم الحاكم، وصححه على شرط البخاري ووافقه الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>