للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الحاكم بغير ما أنزل الله]

السؤال

جاء في رسالة الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب معنى الطاغوت ورءوسه وأنواعه، وقال فيها: الثاني منها: الحاكم الجائر المغير لأحكام الله تعالى، والدليل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء:٦٠].

الثالث: الذي يحكم بغير ما أنزل الله، والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:٤٤]، ثم قال في آخر الرسالة: واعلم أن الإنسان لا يصير مؤمناً بالله إلا بالكفر بالطاغوت، والدليل قوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة:٢٥٦]، فما الفرق بين النوعين؟

الجواب

كلام الشيخ رحمه الله واضح في أنه يجب على المسلم أن يلتزم بشرع الله ودينه، وأن يتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الحاكم الجائر المغير لشرع الله والمبدل لدينه من أوله إلى آخره قد قلب الدين رأساً على عقب، وقد ذكر العلماء -كالحافظ ابن كثير والشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في رسالة تحكيم القوانين- أن من غير أحكام الشريعة كلها رأساً على عقب بلا استثناء فقد بدل الدين, وهو مبدل لدين الله عز وجل، وأما من حكم في بعض المسائل أو في بعض الجزئيات بالهوى -أما لرشوة أو لمال أو لرغبة أو لرهبة، أو لأجل أن ينفع المحكوم له أو يضر المحكوم عليه- فهذا كفره إنما يكون كفراً أصغر؛ لأنه يعلم أنه على الباطل، ويعلم أنه مبطل، ولكن غلبه الهوى فحكم بغير ما أنزل الله طاعة للهوى والشيطان.

أما من اعتقد أنه يجوز له أن يحكم بغير ما أنزل الله فهذا كافر كفراً أكبر؛ لأنه استحل أمراً معلوماً من الدين بالضرورة بطلانه، وهو الحكم بغير ما أنزل الله، فهو أمر محرم مجمع على تحريمه, فمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله فقد كفر، ولكن من حكم ببعض المسائل أو ببعض الجزئيات طاعة للهوى والشيطان وهو يعلم أنه مبطل وعاصٍ مستحق للعقوبة فكفره كفر أصغر، وليس كفراً أكبر، والمسألة فيها تفصيل معروف لأهل العلم في كتبهم، والتفصيل يحتاج إلى وقت طويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>