للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة الرجل مع الأجير]

قال: [(وقال الآخر - هو الثالث -: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً بفرق أرز)] الفرق هو الإناء الذي يسع ثلاثة آصع، والصاع أربعة أمداد، فهذا الرجل استأجر أجيراً بثلاثة آصع من الأرز.

وفي رواية: (من الذرة.

فلما قضى عمله قال: أعطني حقي.

قال: فعرضت عليه فرقه فرغب عنه).

جاء من حديث النعمان بن بشير أن سبب إعراض الرجل عن قبول أجرته وأخذها أن صاحب العمل استأجر أجراء على فرق من الأرز.

وفي رواية: من الذرة.

وأتاه آخر ضحىً وقال: تستأجرني؟ قال: نعم.

قال: بكم؟ قال: إن شئت أعطيتك مثلما سأعطي هؤلاء.

قال: كم أعطيتهم؟ قال: فرقاً من أرز، بأن يعملوا من أول النهار إلى آخره.

قال: كم تعطيني؟ قال: أعطيك مثل ما أعطيهم.

فعمل الرجل بجد فحصل من العمل ما لم يحصله من استأجرهم من أول النهار إلى آخره، فأعطاه الفرق فنظر إلى رجل ممن عمل من أول النهار إلى من عمل ضحىً، قال: (أتعطي هذا مثلما تعطيني وقد عملت من أول النهار؟ قال: يا عبد الله! إنما هو مالي أصنع فيه ما أشاء، فغضب الرجل غضباً شديداً وترك حقه أو فرقه وانصرف).

ولو أنه أعطى الفرق لرجل في الشارع لم يعمل قط، فلا لوم عليه؛ لأن هذا ماله وهو حاكم فيه، ولم يظلمك، وإنما أعطاك ما كان متفقاً عليه بينك وبينه.

وهذا الرجل كذلك -أي: صاحب العمل- إنما غضب لموقف هذا العامل غضباً شديداً فنهره.

فقيل: إن الرجل إنما ترك ماله وانصرف غضباً للمساواة بينه وبين من عمل ضحىً.

وقيل: إنه تركه لأن صاحب العمل نهره.

أي: غضب في وجهه وصاح فيه.

لا يهم أن يكون هذا أو ذاك، فمحصلة الأمرين: أن هذا الرجل ترك ماله وانصرف، وأتاه بعد مدة من الزمان.

قال: [(فعرضت عليه فرقه فرغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقراً ورعاء)] فالرجل المؤجر زرع هذا الفرق من أرز أو ذرة في الأرض، ومن الزرع اشترى بقراً وغنماً ورعاءً.

أي: عبيداً ليرعوا هذه الأغنام وهذه الأبقار.

قال: [(فجاءني)] أي: هذا المستأجر.

[(فقال: اتق الله! ولا تظلمني حقي.

قلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها.

فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي.

فقلت: إني لا أستهزئ بك، فأخذه فذهب به.

قال: فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، ففرج الله لهم ما بقي فخرجوا جميعاً يمشون)].

استدل الشافعية بهذا الحديث على أنه يستحب للإنسان أن يدعو في حال كربه وفي دعاء الاستسقاء وغيره بصالح عمله ويتوسل إلى الله تعالى به، لأن هؤلاء سألوه فاستجيب لهم، وذكره النبي عليه الصلاة والسلام في معرض الثناء عليهم وجميل فضائلهم.