للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إثبات صفات الله على الوجه اللائق به سبحانه]

[قال: حدثني سالم بن عبد الله - وسالم بن عبد الله بن عمر عم عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر - قال: أخبرني عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطوي الله عز وجل السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك! أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله).

والأرضين جمع: أرض، وهي الأرضون السبع.

قال: [ثم يقول: (أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)].

والنكارة في هذه الرواية هي في ذكر الشمال، والإمام مسلم قد روى في صحيحه عدة روايات تذكر أن كلتا يديه سبحانه يمين.

والعلماء يقولون: يحرم التخيل في صفات الله، فإذا كان في حق المخلوقين ممكن؛ فإنه في حق الله غير ممكن قط، وقد يستحيل في حق بعض المخلوقات أن تتخيله، كما خلق الله تبارك وتعالى الملائكة أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق ما يشاء إلى ستمائة جناح، وجبريل له ستمائة جناح، والنبي صلى الله عليه وسلم رآه على هيئته التي خلقه الله عز وجل عليها مرتين، وفي كل مرة يراه قد سد الأفق، وهذا أحد مخلوقات الله عز وجل يسد الأفق، حتى أن الناظر إليه لا يرى شيئاً من السماء.

فإذا كنت لا تستطيع أن تتصور جبريل بأجنحته الكاملة كما خلقه الله، فمن باب أولى أن تكف عن تصور صفات المولى عز وجل، ولله المثل الأعلى، كما قال الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، وهذه الآية فيها إثبات ونفي، إثبات للصفات التي أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله عليه الصلاة والسلام، ونفي لأمرين: نفي لمنهج الجهمية، وهو: التعطيل.

ونفي لمنهج الأشاعرة والمعتزلة وهو: التأويل.

والأمر كما قال ابن تيمية عليه رحمة الله: من عَبد الله عز وجل بالتمثيل فقد عبد صنماً، ومن عبده بالتعطيل فقد عبد عدماً.

فلا تمثيل ولا تعطيل؛ لأن من عبد الله تعالى ممثلاً له فكأنما يعبد صنم، ولذلك فإن الفرق المنحرفة كلها التي أثبتت الصفات لله عز وجل على نحو ما يفهمون من صفات الخلق إنما بلغوا بالله عز وجل في نهاية المطاف إلى أنه رجل حسن! فقالوا: له يد هي كأيدينا لكنها أجمل من أيدينا، وله عين كأعيننا، ولكنها أجمل من أعيننا.

وفي نهاية الأمر يلزمهم أن يقولوا: إن الله تعالى رجل قبيح! فإن بعض الفرق الضالة قالت: إن الله تعالى أنثى، حتى قال ذلك الكلام الكفري البواح بعض المعاصرين, وكتب ذلك في المجلات والصحف اليومية.

فقال هنا: (يطوي الله عز وجل السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون، أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله)، واللفظ الصحيح الذي ورد في روايات أخرى: (ثم يطوي الأرضين بيده الأخرى، وكلتا يديه يمين، ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟).

قال: [حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا يعقوب - وهو ابن عبد الرحمن القاري - حدثنا أبو حازم سلمة بن دينار الأشجعي عن عبيد الله بن مقسم أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم].

يعني: أن عبيد الله بن مقسم كان ينظر إلى عبد الله بن عمر وهو يحاكي النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: يصف فعل النبي عليه الصلاة والسلام بفمه وبرأسه وبيده وبرجله، إذا كان يتكلم في قضية معينة.

قال: [عن عبيد الله بن مقسم أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي -أي: كيف يقلد النبي صلى الله عليه وسلم- قال: يأخذ الله عز وجل السماوات والأرضين بيديه فيقول: أنا الله).

والحكاية هي: أن عبد الله بن عمر رأى النبي عليه الصلاة والسلام يقول بيديه هكذا: (إن الله تعالى يقبض السموات والأراضين بيديه هكذا) فرآه يقبض أصابعه ويبسطها].

وليس في هذا تمثيل للقبض بالقبض، ولا للبسط بالبسط، وقد ورد ذلك في السنة كثيراً، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام: (أترون القمر ليلة البدر؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: أترون الشمس في رابعة النهار؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: إنكم سترون ربكم كما ترون القمر في ليلة البدر لا تضامون في رؤيته) أي: لا يحصل لكم ضيم ولا ريب ولاشك.

فبعض من أنكر هذا الحديث قال: لا يمكن أن يكون الله تعالى كالقمر، ولا كالشمس، فكيف يمثل النبي عليه الصلاة والسلام الله عز وجل بالشمس والقمر؟! وفي حقيقة الأمر: أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يمثل الذات العلية بالشمس ولا بالقمر، وإنما مثل الرؤية بالرؤية بجامع الوضوح، والمعنى: كما أنكم ترون هذا القمر ولا تشكون في رؤيته فكذلك ترون الله عز وجل يوم القيامة، والكاف هنا: للتشبيه، أي: تشبيه الرؤية بالرؤية لا المرئ