للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرمة القول على الله بغير علم]

[فلما سمعه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه غضب لذلك غضباً شديداً، وجلس وهو مغضب وقال: أيها الناس! اتقوا الله].

وهذا الكلام وإن كان موجهاً إلى ذلك القاص إلا أنه يعم جميع الناس إلى قيام الساعة، فتقوى الله في باب العلم، وباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تلزم المرء ألا يتكلم إلا بما علم، فالله تبارك وتعالى حرم القول عليه بغير علم، وقرنه بالشرك؛ للدلالة على خطورة هذا القول.

قال الله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:٣٦].

وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:٣٣].

والآيات الزاجرة عن القول على الله بغير علم كثيرة جداً، والأحاديث أكثر من الآيات، وكلها تدل على حرمة القول على الله بغير علم، حتى كان الصحابة رضي الله عنهم يتورعون في باب رفع الأحاديث إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فالواحد منهم ينقل القول ولا يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول.

وأتى التابعون من بعدهم فسلكوا نفس المسلك، فكانوا يقولون: قال أبو ذر، قال حذيفة، قال أبو قتادة، قال أبو هريرة ويتورعون أحياناً عن نسبة القول، أو عن وصل هذا القول إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا سئلوا عن ذلك قالوا: إن كذباً على أصحابه ليس ككذب عليه عليه الصلاة والسلام، أي: أنهم في الأمر الذي لم يتأكدوا منه تماماً ويقيناً كانوا يوقفونه على الصحابة، وما كانوا يرفعونه إلى النبي عليه الصلاة والسلام؛ مخافة ألا يكون قد قاله حقيقة.

فإذا كان السلف رضي الله عنهم قد سلكوا هذا المسلك، فحري بنا أن نتوقف في شيء سئلنا عنه ولا علم لنا فيه، وأن نقول: الله أعلم، ولذلك قال ابن مسعود: [يا أيها الناس! اتقوا الله! من علم منكم شيئاً فليقل بما يعلم، ومن لم يعلم فليقل الله أعلم]، أي: فإنه أرفق بأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، [فإن الله عز وجل قال لنبيه: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:٨٦]].