للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع تفسير القرآن]

قال: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ووكيع، وحدثني أبو سعيد الأشج أخبرنا وكيع، وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير كلهم عن الأعمش.

وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو كريب قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح -وهو المعروف في الرواية الأولى: أبو الضحى - عن مسروق قال: جاء إلى عبد الله رجل فقال: تركت في المسجد رجلاً يفسر القرآن برأيه].

هذا الرجل يتهم ذلك القاص، وسياق الرواية تقول: إن هذا الرجل لما نقل كلام القاص إلى عبد الله بن مسعود لم يكن يعرفه؛ بدليل أنه استنكر كلامه فذهب إلى عبد الله بن مسعود ليسأل عن صحة هذا الكلام الذي سمعه، ثم هو يغمزه في الرواية الثانية ويقول: سمعت رجلاً في المسجد يقص أو يفسر القرآن برأيه، وتفسير القرآن بالرأي مذموم، بينما التفسير الممدوح هو تفسير القرآن.

والنوع الثاني: تفسير القرآن بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا الذي يسميه العلماء بالتفسير النبوي.

ثم النوع الثالث: تفسير القرآن بكلام العرب؛ لأن القرآن عربي.

والرابع: تفسير القرآن بالرأي، وهو مذموم.

ولذلك غمزه هذا الرجل فقال: سمعت رجلاً في المسجد -أي: في مسجد بني كندة- يفسر القرآن برأيه.

قال: [قال في قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان:١٠] أي: يأتي الناس يوم القيامة دخان، فتأخذ بأنفاس الكفار عامة، أما المؤمنون فتصيبهم على هيئة الزكام.

فقال عبد الله بن مسعود: من علم علماً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به: الله أعلم.

إنما كان هذا أن قريشاً لما عصت النبي عليه الصلاة والسلام دعا عليهم النبي عليه الصلاة والسلام بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجدب حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، وحتى أكلوا العظام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: محمد! استغفر الله لمضر فإنهم قد هلكوا].

ومضر هم أشد الناس عداوة وبراءة من الإسلام.

وفي رواية البخاري: (استسق لمضر).

وبعضهم يقول: إن لفظة (استغفر) خطأ من الراوي، وبعضهم يقول: إنما هي تصحيف؛ لأن (استغفر) و (استسق) مسمع واحد.

والإمام النووي نازع في ذلك وقال: والروايتان صحيحتان، (استسق) أي: اطلب السقيا وهو المطر، (واستغفر) أي: ادع الله لهم بالهداية، ثم استسق لهم بعد ذلك.

فقد جمع بين القولين حتى لا يضطر إلى رد إحدى الروايتين.

[فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لمضر؟! إنك لجريء، قال: فدعا الله لهم فأنزل الله عز وجل: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان:١٥])].

أي: رغم أني رفعت عنكم البلاء إلا أنكم بعد قليل ستعودون إلى ما كنتم عليه من إيذاء وجحود ونكران.

قال: [(فمطروا -أي: بسبب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم- فلما أصابتهم الرفاهية واخضرت الأرض، عادوا إلى ما كانوا عليه، فأنزل الله عز وجل: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ} [الدخان:١٦] يعني: يوم بدر)].