للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم)]

قال: [حدثنا يحيى بن أيوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر السعدي -واللفظ لـ يحيى، أي: لـ يحيى بن أيوب - قالوا: حدثنا إسماعيل بن جعفر أخبرني عبد الله بن دينار أنه سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم)].

وفي رواية: [(مثل المؤمن فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي) أي: اختلفت أقوال الناس: فقيل: هي شجر الزيتون شجر الرمان شجر المانجو شجر الخوخ شجر كذا شجر كذا، أي: اختلفت أقوالهم وتضاربت أي شجرة هي؟ خاصة: وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: (إن من الشجر شجرة)، ولم يقل: نخلة، ولو قال: نخلة؛ لأجاب عنه أصغر أهل المجلس؛ لأن الغالب أن النخلة عند الإطلاق تطلق على نخل البلح؛ ولذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام إنما استخدم التمويه في هذا السؤال؛ حتى يختبر ذكاء وأفهام الحاضرين، فقال: [(إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وأنها مثل المسلم فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة)].

أي: حدثتني نفسي أنها النخلة، [(فاستحييت)] أي: لصغر سنه، وكان كبار الصحابة موجودين، وكان فيهم أبو بكر وعمر، ولم يجيبا على هذا السؤال، أفيطلع عبد الله بن عمر ابن العشر سنوات يجيب على هذا السؤال؟! فسبب استحيائه أن أكابر الناس سناً وفضلاً وعلماً كانوا موجودين، وهم أعلم بحال البادية وأشجارها، وحال الحيطان والبساتين، ومع هذا لم يجيبوا بشيء، ولا أظن أن أبا بكر وعمر امتنعا عن الجواب لأنهما لم يعلما ذلك، وإنما لعلمهم أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما طرح هذا السؤال ليستحث أفهام الحاضرين، أو بعض الحاضرين.

ولذلك ربما يسأل عالم سؤالاً في مجلس من المجالس، وفيه من أهل العلم من فيه، فإذا أراد أحد أهل العلم أن يجيب على السؤال قال السائل: أنت تعلم أني ما قصدتك، وإنما قصدت أن يتعلم من لم يكن متعلماً، يعني: قصدت أن يجيب غبراء أهل المسجد وعامة أهل المجلس، وأما أنت فيقيناً أنك تعلم ذلك، وأن هذا السؤال ليس موجهاً إليك؛ ولذلك لا يسمع منه الإجابة، فربما يكون كبار أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام امتنعوا عن ذلك لهذا السبب.

فـ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إنما فهم أنهما لم يجيبا، أو أن الكبار لم يجيبوا عن هذا السؤال؛ فاستحيا لأنهم لم يجيبوا، كما أنه استحيا أن يتقدم بين يدي كبار الصحابة بالجواب.