للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اتخاذ الأسباب المعينة على الشيء وقدح ترك الأسباب في التوحيد]

والإنسان عندما يتخذ الأسباب المعينة لصلاة الفجر، ومع هذا يغلبه شيطانه، أو يغلبه النوم؛ فلا حرج عليه حينئذ، لكن يحصل هذا من المرء مرة، أو مرتين، أو ثلاث مرات، وأما الذي يسترسل فهو مخطئ.

وهذا الحديث يبين أن العمل ما هو إلا سبب لدخول الجنة، لكن في حقيقة الأمر: ليس هذا السبب كفيلاً بدخول الجنة، والله تعالى هو الذي جعله سبباً لدخول الجنة، كما جعل العمل السيئ سبباً لدخول النار.

والعلماء يقولون: إن الاعتماد على الأسباب شرك، وترك الأسباب قدح في التوحيد.

فالذي يقول: أنا أريد ولداً، يقال له: تزوج، فيقول: لا أريد أن أتزوج، فربنا قادر على أن يأتي لي بولد من غير أن أتزوج، يقال له: هذا كلام صحيح، ونحن نؤمن معك على أن الله تعالى قادر على ذلك، بل على ما هو أعز وأصعب من ذلك، فلو أراد الله تبارك وتعالى أن يجمع الدنيا والآخرة فيجعلها في هذا الكأس لفعل، وهذا هو التوحيد، لكن الله تبارك وتعالى بين لنا أنه لا يفعل ذلك، مع أنه الذي قضى في كتابه أنه على كل شيء قدير.

وكلمة: (شيء) تفيد العموم، فالدنيا شيء، والآخرة شيء، والجنة شيء، والنار شيء، فلو أراد الله جمع ذلك كله في أقل من هذا الكأس لفعل.

فإذا قال شخص: أنا عملت العمل الفلاني، ولا بد أن تكون نتيجته كذا، فهذا كلام غير صحيح؛ لأن المرء يتزوج ولا ينجب، مع أن الزواج هو السبب الموصل إلى الإنجاب وإلى الولد، ولا يلزم منه الولد، فقد تصبح المرأة عقيمة أو الرجل عقيماً، أو لا عقم عند الرجل ولا عند المرأة لكن لا ولد، مع أن المرأة لا شيء فيها يمنع من الحمل، والرجل لا بأس فيه، إذاً: السبب قائم، ونتائجه غير لازمة.

وقد تكون المرأة عندها عقم، ومع هذا لما طلقت من هذا وتزوجت بآخر أنجبت، مع أن العلة كانت عندها.

إذاً: فالاعتماد على الأسباب شرك بالله عز وجل، وترك الأسباب قدح في التوحيد.