للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعريف السرقة وذكر أنواعها وشروطها]

السرقة نوعان: نوع يجب فيه إقامة الحد إذا بلغ السلطان، وهو ما زاد على سرقة ربع دينار فصاعداً، وما دون الربع دينار ففيه التعزير.

أما تعريف السرقة فقد قال العلماء هي: أخذ الشيء في خفية.

وفي القاموس: السرقة والاستراق: المجيء متستراً لأخذ المال -أي: لأخذ مال الغير- من حرز.

وهذا تعريف أشمل وأعم من الأول، والتعريف الثالث هو تعريف ابن عرفة قال: السارق عند العرب هو: من جاء مستتراً.

فالشرط الأول: من جاء في خفية.

إذاً: الشرط الأول في تحقق أن هذه الحادثة سرقة يجب فيها إقامة الحد: أن يأتي السارق خفية.

الشرط الثاني والثالث: أن يأخذ مال الغير من حرز.

ومن تعريف المصطلح الشرعي بأنه كيت وكيت وكيت، لابد أن نستنتج من هذا التعريف شروط المعرف، فإذا قلت: السرقة هي أن يأتي السارق خلسة أو خفية أو مستتراً ليأخذ مال الغير من حرز، فأقول: هذا التعريف بيَّن لي شروط السرقة التي تستوجب إقامة الحد، ومنها: أن يأتي السارق خلسة، فلو دخلت بهيمة بيتك؛ وكسرت الباب ثم كسرت القفل وأكلت الأوراق ولم تعلم بها إلا وهي خارجة من البيت، فهل يقام عليها الحد؟

الجواب

لا يقام عليها الحد؛ لأنها ليست سارقة، فمن شروط السرقة: أن يدخل السارق خلسة، إذاً: الشرط الأول منعدم هنا.

مثال آخر: شخص لم يأت بيتاً متستراً، وإنما دخل وهو شاهر سيفه، وقال: أعطني مالك وإلا قتلتك، فهذا إما غاصب وإما صائل باغ ظالم معتد، فهذا تطبق عليه حدود أخرى لا حد السرقة.

إذاً: لابد أن يأتي السارق خلسة ليأخذ مال الغير، فلو فرضنا أنه أتى خلسة، ولكنه يعتقد أن المال الذي سيأخذه هو ماله الشخصي، وأن هذا الرجل الذي أخذ منه المال، إنما سرقه أو اختلسه أو غصبه، وذهب ليسترد هذا المال عنوة، ولكنه ذهب متستراً متخفياً لغلبة الظن أنه لا يحصل على ماله إلا بهذا الطريق، إذاً: هذا الرجل أخذ مال الغير، وفي نظره أنه يأخذ ماله، مع أنه هناك طرق أخرى مشروعة لأخذ ماله واسترداده، لكن ألا تعدون أن هذه شبهة؟ بلى.

وأنتم تعلمون أن الحدود تدرأ بالشبهات، فهو يقول: أنا لست سارقاً، لكن الشرع يعده سارقاً؛ لأنه دخل خفية، وأخذ المال من حرز، وهو مقر بأنه أخذ المال من حرز، لكنه لا يقام عليه الحد، لم؟ لأن هذا المال الذي أخذه ليس مال فلان، وإنما هو ماله؛ ولذلك الإمام الشافعي كان يسمي هذا السارق السارق الظريف؛ لأنه إذ إنه إذا أقيمت عليه الحجة، وثبتت عليه السرقة وقدم للقطع قال: هذا المال مالي، فبعد أن كانت عليه الدفة كلها حولها إلى خصمه المسروق.

قال: هذا المال أخذه مني عنوة، وأنا أردت استرداد مالي الذي أخذه مني عنوة، فالإمام الشافعي يسميه السارق الظريف، ويدرأ عنه الحد بهذه الشبهة.

إذاً: السرقة هي: أخذ مال الغير، وأن يكون هذا الأخذ على جهة التخفي والاستتار، وأن يكون المال محرزاً، فإذا فقد أي شرط من هذه الشروط فلا تعد القضية مطروحة على القضاء سرقة، ولكنها تدخل تحت باب آخر؛ ولهذا لا يعتبر الخائن ولا المنتهب ولا المختلس سارقاً ولا يجب على واحد منهم القطع، وإنما يجب التعزير.

وضربت لك في الدرس الماضي مثلاً بإنسان قد عملت عنده، وقد حرز ماله في المحل، وهذا من جهة العرف حرز؛ لأن العرف هو الذي يحكم ما إذا كان هذا حرزاً أم لا، فالحرز هو: ما يمكن حفظ الشيء فيه عرفاً.

إذاً: العرف هو القاضي على كثير من المصطلحات الشرعية، كالسفر مثلاً، العرف هو القاضي بما إذا كان هذا سفراً أم لا، فإذا قال العرف: هذه المسافة مسافة سفر وإن قلت عن (٨٠) كيلو فللمسافر فيه أن يستخدم الرخصة، وإن بعدت عن (١٠٠) كيلو ولكن العرف لا يعدها سفراً فلا يحل لواحد أن يستخدم فيها الرخص، فالعرف يقضي على كثير من المصطلحات الشرعية، وذلك إذا كانت مما يختلف باختلاف الزمان والمكان.