للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم جحد العارية]

مسألة: جحد العارية مسألة فرعية من فرعيات السرقة: وصورتها: أنك أعرتني شيئاً وأنا جحدته، ولما طالبتني بعاريتك قلت: ما أخذت منك شيئاً.

فهل هذا يعد سرقة؟

الجواب

اختلف الفقهاء في حكم ذلك، فجمهور العلماء قالوا: لا يقطع من جحد العارية؛ لأنه لم يأخذها في خفية ولم يذهب متستراً، إنما صاحب المال هو الذي أعاره واستأمنه على هذا الشيء، والقرآن والسنة أوجبا القطع على السارق، وليس جاحد العارية بسارق.

وذهب الإمام أحمد وإسحاق وزفر والخوارج وأهل الظاهر: إلى أنه يقطع؛ لما جاء في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده)، انظر الكلام الجميل! المتاع يكون عندها فإذا طولبت به قالت: ما أخذت من أحد شيئاً، وهذا جحود.

قال: (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، فأتى أهلها أسامة بن زيد رضي الله عنه فكلموه، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حد من حدود الله عز وجل؟ وقام النبي عليه الصلاة والسلام خطيباً فقال: أيها الناس! إنما هلك من كان قبلكم -أي: من بني إسرائيل- أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها).

فبعض العلماء يقولون: هذا الحديث الذي فيه الزيادة: (هذه الزيادة التي فيها: أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع فتجحده فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بقطعها) حديث شاذ وإن كان في مسلم.

وهو الباب الثاني في كتاب الحدود.

والبعض يقول: هذا الحديث ليس شاذاً، وإنما أخبر الحديث أن هذه المرأة كان من صفاتها وأخلاقها أنها تجحد العارية، فذكروها بأحد صفاتها الذميمة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها لا لكونها كانت تجحد العارية، وإنما لسبب آخر وهو السرقة؛ ولذلك أورد مسلم هذا الحديث بهذه الزيادة: (أنها كانت تستعير المتاع وتجحده) ضمن الحديث من طريق واحد، فالحديث من عدة طرق ليس فيه هذه الزيادة؛ وذلك ليبين أن الحديث إن ثبت على هذا النحو وبهذه الزيادة فالمقصود به: ذكر إحدى صفات المرأة، لا أنها قطعت لأنها تجحد العارية، وإنما قطعت لسبب آخر قد ورد في بقية طرق الحديث عن المرأة المخزومية، وقد صرح الرواة بأنها امرأة مخزومية سرقت، فالقطع ليدها كان لأجل السرقة لا لأجل أنها كانت تجحد العارية.

والشاهد من هذا الباب كله: أن جاحد العارية قد اختلف فيه العلماء، والذي يترجح لدي أن جاحد العارية وإن كان ظالماً وآثماً يعزر ويحمل على رد العارية إلى صاحبها إلا أنه لا يقطع.