للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب جلد الزاني البكر وذكر الخلاف في نفيه ورجم الثيب وجلده]

أجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة، ليس هناك خلاف على هذا، ولكن الخلاف: هل ينفى أو لا؟ فالإجماع منعقد على أن البكر إذا زنى يجلد مائة جلدة، ووقع الخلاف في حقه في التغريب، وانعقد الإجماع في حق الثيب بالرجم، ووقع الخلاف في جلده مائة.

قال النووي: (ولم يخالف في هذا أحد من أهل القبلة، إلا ما حكى القاضي عياض وغيره عن الخوارج وبعض المعتزلة كـ النظام وأصحابه؛ فإنهم لم يقولوا بالرجم.

وهذا رأي في غاية الشذوذ).

قال: (واختلفوا في جلد الثيب مع الرجم) لأن الرجم لا خلاف عليه، لكنهم اختلفوا في إلحاق الجلد بالرجم.

(فقالت طائفة: يجب الجمع بينهما فيجلد ثم يرجم).

وهذا مذهب الحنابلة كما قلنا.

(وبه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري وإسحاق بن راهويه وداود وأهل الظاهر وبعض أصحاب الشافعي.

وقال جماهير العلماء: الواجب الرجم وحده).

الرجم فقط هو الواجب، ولا بأس أن يجلد لكن الجلد ليس بواجب.

إذاً: هم لم يختلفوا في إيقاع الجلد، وإنما اختلفوا في تأكيد وحكم الجلد، فبعض أهل العلم قال: يجب الجمع بين الجلد والرجم، والبعض الآخر قال: بل الرجم هو الواجب والجلد جائز، ولكنه ليس واجباً.

وهذا مذهب الجماهير.

قال: (وحكى القاضي عن طائفة من أهل الحديث: أنه يجب الجمع بينهما إذا كان الزاني شيخاً ثيباً) أي: أن المقصود: أن هذا رجل ثيب متزوج من قبل، وأيضاً شيخ كبير قد انطفأت فيه نار الشهوة، ومع هذا يزني، فيصير هذا أشد بغضاً؛ ولذلك شددوا عليه من العقوبة؛ لأن هذه الجريمة منكرة من كل من أتى بها ثيباً كان أم بكراً، لكنها أشد نكارة إذا أتت من امرأة كبيرة شمطاء عجوز محصنة أو أتى هذا الجرم من رجل كبير شيخ قد انطفأت نار شهوته، فلا يمكن أبداً أن يستوي في القبح فعله مع فعل الشاب الذي تثور شهوته؛ ولذلك قالت طائفة من أهل الحديث: يجب الجمع بين الجلد والرجم إذا كان الزاني شيخاً ثيباً، فإذا كان شاباً ثيباً اقتصر على الرجم.

وهذا مذهب باطل لا أصل له.

هذا كلام الإمام النووي؛ لأن هذا التفريق ليس عليه دليل.

قال: (وحجة الجمهور: أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على رجم الثيب في أحاديث كثيرة، فهنا قصة ماعز وقصة المرأة الغامدية.

وكذا قصة اليهوديين حيث احتكم اليهود إلى النبي عليه الصلاة والسلام أن يقيم فيهم شرع الله فحكم برجمهما، ولم يثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بجلدهما، فتبين أن الجلد ليس بحتم، بدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ولكنه لم يعمل به.

قال: (وأما قوله في البكر: (نفي سنة) ففيه حجة للشافعي والجماهير أنه يجب نفيه سنة رجلاً كان أو امرأة).

وقال الحسن: لا يجب النفي.

وإنما هو جائز، فكما قلنا في جمع الجلد مع الرجم في حق الثيب نقول كذلك في النفي مع الجلد في حق البكر.

وقال مالك والأوزاعي: لا نفي على النساء؛ لأن هذا ينافي الطبيعة التي خلقت لأجلها النساء، إذ إن المرأة لا تخرج من بيتها، وصلاتها في بيتها أحب إلى الله عز وجل من صلاتها في المسجد، فهذا يتنافى مع تغريب المرأة.

قال: (وقال علي بن أبي طالب: لا نفي على النساء؛ لأنها عورة، وفي نفيها تضييع لها وتعريض لها للفتنة؛ ولهذا نهيت عن السفر إلا مع محرم).

قال: (وحجة الشافعي: (البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة)).

وهذا نص عام يشمل البكر من الرجال والنساء.