للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (الوليدة والغنم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث -وهو ابن سعد - (ح) وحدثناه محمد بن رمح أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة رضي الله عنه وزيد بن خالد الجهني أنهما قالا: (إن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله)] هذا أعرابي، والأعراب فيهم من الغلظة والجفاء ما فيهم؛ ولذلك أتى هذا الأعرابي بشيء من الجفوة وقال: (يا رسول الله! أنشدك الله) يعني: أحلف عليك بالله أن تقضي بيننا بكتاب الله.

أي: بحكم الله، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يحكم إلا بحكم الله فما الداعي إلى أن يقول هذا الرجل مثل هذا القول؟ قال: [(فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه: نعم.

فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي)] يعني: ائذن لي يا رسول الله! أن أتكلم، وكان هذا الخصم أكثر أدباً من الأعرابي، وإن كان في كلامه بعض الجفوة كذلك.

قال: [(فقال النبي عليه الصلاة والسلام: قل.

قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته)] أي: ابني كان أجيراً عند هذا الرجل فزنى بامرأته، فهذه المرأة محصنة، أما هذا الرجل الذي زنى فكان بكراً.

قال: [(إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة)] والوليدة: ابنة الناقة.

أي: ما دام ابني سيرجم لا ترجموه، وخذوا مني بدل الرجم هذا مائة شاة ووليدة.

قال: [(فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام)].

هذا كلام أهل العلم، فهو لما قص عليهم القصة قالوا: لا.

ليس عليه الرجم، ولا يصح منك الافتداء بمائة شاة ولا وليدة.

وإنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام.

وهذا يدل على جواز استفتاء أهل العلم في حضرة النبي عليه الصلاة والسلام، أي: في زمنه.

كما يدل على جواز استفتاء المفضول في حضرة الفاضل.

وهذا الكلام محل اتفاق وليس عليه خلاف.

قال: [(فسألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ولدي جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم)] فجواب أهل العلم دل على أن الزاني بكر، وأن الزانية محصنة.

قال: [(فقال النبي عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد)] أي: الوليدة والغنم رد عليك حتى بعد قضاء القاضي.

وهذا يدل على وجوب أن يرجع القاضي في قضائه إذا تبين خطؤه، لا يقول: انتهى الأمر.

المحكمة حكمت بالإعدام.

وإن قيل: ما زال الرجل لم يعدم.

قالوا: لا.

لا نحرج على القاضي.

فإن قيل: وتقتلون نفساً بريئة حتى لا تحرجون على سيادة القانون؟ إن هذا القانون صنم يعبد من دون الله عز وجل، ولأجل سيادة القانون تراق الدماء ولا حرج.

قال: [(قال: والذي نفسي بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله: الوليد والغنم رد)] أي: ترد إلى صاحبها حتى وإن حكم بها.

قال: [(وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام)] فوافق النبي عليه الصلاة والسلام أهل العلم في هذا الحكم.

قال: [(قال: واغد يا أنيس!)] وهو أنيس بن الضحاك الأسلمي، صحابي مشهور من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.

قال: [(واغد يا أنيس! إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)]، فاعترفت، فجيء بها إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فأمر برجمها فرجمت.

قال: [(فغدا عليها فاعترفت -أي: أتاها أنيس فاعترفت- فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت)].

قال: [وحدثني أبو الطاهر وحرملة قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس -فـ عبد الله بن وهب يروي عن يونس بن يزيد الأيلي - (ح) وحدثني عمرو الناقد حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد المدني قال: حدثنا أبي عن صالح - وهو ابن كيسان المدني - (ح) وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق بن همام الصنعاني عن معمر بن راشد البصري الصنعاني كلهم -يروي- عن الزهري بهذا الإسناد نحوه].