للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اشتراط الرؤية أو الثبوت لإقامة الحد على الأمة]

قال الإمام النووي رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها) التثريب: التوبيخ واللوم على الذنب، ومعنى (تبين زناها) أي: تحققه، إما بالبينة وإما برؤية أو علم عند من يجوز القضاء بالعلم في الحدود).

بعض الناس يقول: الحد يثبت بالعلم مطلقاً ولا يلزم فيه الرؤية، فإذا كان المراد بالعلم الإقرار فهذا كلام مستقيم، وإذا كان المراد بالعلم: غير الإقرار -أي: مجرد الأخبار التي تتناقل هنا وهناك واستقرار ذلك وقيامه مقام البينة- فهذا كلام غير سديد؛ ولذلك من قال: إن الحدود تثبت بالعلم مطلقاً فكلامه يحتاج إلى نظر؛ لأنه كلام غير صحيح ولا دليل عليه، والنبي عليه الصلاة والسلام لما سمع بإشاعة الناس عن فلانة أنها بغي وأنها زانية قال: (لو كنت مقيماً الحد على أحد بغير بينة لأقمت الحد على فلانة -أو قال-: على هذه) أي: على هذه المرأة التي تتحدثون عنها ويتحدث الناس كلهم عنها أنها زانية؛ وذلك لأن هذا العلم قام حتى استفاض وتواتر واشتهر بين الناس أن هذه المرأة بغي وزانية، وأنتم تعلمون أن البغايا في زمن الجاهلية وقبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام -كما هو الشأن في بيوت الدعارة في هذه الأيام- يطلبن الرجال صراحة، بل كانت عناقاً في زمن الجاهلية تقف وتضع علماً على صدرها، ويعرف أهل مكة أن عناق إذا وضعت العلم فإنما تطلب رجلاً، فإن استعصى عليها الرجال دعتهم إلى ضيافتها وإلى الوقاع بها صراحة.

هذا الكلام ليس غريباً أن يكون في الجاهلية؛ لأنه مجتمع جاهلي، وهذا الكلام يدار في هذا الزمان -لا أقول: في بلاد أوروبا وبلاد الكفر- بل في بلاد المسلمين، بل أكثر من ذلك أن هذه البيوت وهذه الخرابات مرخصة، وقد اتخذت لها الاحتياطات الكاملة للتأكد من سلامة وصحة هذه البغي.

قال: (تحققه إما بالبينة أو بالرؤية).

هل يشترط في رؤية الزنا بالإماء أربعة؟

الجواب

لا يشترط ذلك، بل لو رآها سيدها فقط ولم يرها معه أحد كان له أن يقيم عليها الحد، وهذا معنى قوله: (فتحقق -أي: زناها- إما بالبينة وإما بالرؤية)؛ لأن بعض الناس يتصور أن أحكام الإماء كأحكام الحرائر سواء بسواء، فالأمة والحرة بينهما فروق، من هذه الفروق: أن الأمة إذا رآها سيدها تزني أقام عليها الحد، وهو الذي يقيم عليها الحد، ولا بأس أن يقيم السلطان الحد عليها، لكن لو أقام السيد على عبده أو أمته الحد فهذا ليس مخالفاً للسنة، وإذا رآها غير سيدها إن أنكرت لا يقام عليها الحد، وإن أقرت فيقام عليها الحد بإقرارها.

هذا كلام الإمام ابن قدامة في المغني.