للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم بيع الأمة إذا تكرر زناها]

قال: (وهذا البيع المأمور به مستحب، وليس بواجب عندنا وعند الجمهور.

وقال داود الظاهري: هو واجب).

ولم يصرفه صارف.

والصارف عند الجمهور: أن هذا العبد أو تلك الأمة ملك لسيدها، والمعلوم أن المالك لا يحمل على بيع ما يملك؛ لأن هذا أمر مستقر، فأنت تملك الكتاب الذي معك وليس لأحد قط أن يحملك على بيع هذا الكتاب الذي معك؛ لأنه ملكك، ولو كانت ملكيتك للكتاب مشروطة بأن تبيعه لأول آمر يأمرك ببيع هذا الكتاب فلا تكون الملكية لهذا الكتاب ملكية حقيقية؛ ولذلك حمل الجمهور الأمر للسيد ببيع أمته الزانية على أنه أمر استحباب وندب، وليس أمر وجوب؛ حتى لا يتعارض هذا مع الملكية الحقيقة لهذه الأمة.

والله أعلم.

قال: (وفي هذا الحديث جواز بيع الشيء النفيس بثمن حقير)، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (فليبعها ولو بضفير).

أي: بعها ولو ببسيط.

يعني أي: أنصحك تتخلص منها ولو بأقل الأثمان.

قال: (وفيه جواز بيع الشيء النفيس بثمن حقير، وهذا مجمع عليه إذا كان البائع عالماً به).

يعني: البائع يعرف أنه يبيع سلعة غالية فيبيعه بأبخس الأثمان؛ إذلالاً واحتقاراً لهذا الشيء رغم أنه في نفسه ثمين.

قال: (فإن كان جاهلاً فعند الجمهور جهله وعلمه سواء).

واحد اشترى أمة بـ (١٠٠) جنيه، ولما فعلت فعلتها كان ثمنها عند الناس (١٠٠٠) جنيه، وهو لا يعرف شيئاً عن هذا الغلاء.

فلما باعها بـ (١٠٠) جنيه فوجئ بعد بيعها أنها صارت عند الناس بألف، فعند الجمهور سواء، سواء علم بغلائها أو برخصها أو جهل غلاءها.

قال: (ولأصحاب مالك فيه خلاف).

أي: في هذه المسألة لـ مالك خلاف مشهور معروف (وهذا المأمور به يلزم صاحبه أن يبين حالها للمشتري؛ لأن هذا عيب في السلع)، فالعبيد والإماء يملكها الأسياد، ومن أراد أن يبيع سلعة يجب أن يبين عيبها إذا كان يغلب هذا العيب على السلعة، وهذا ليس فيه فضح للأمة إذا زنت؛ لأنه يخبر المشتري الذي تكون له ولاية عليها بعد الشراء، فلابد أن يعلم عيبها، إذا إن عيبها عيب خفي والعيب الخفي حكمه: أن يبينه البائع، فإن قبل المشتري أن يشتري السلعة بهذا العيب فليس للمشتري أن يرجع ويقول: أنت أعطيتني أمة زانية؛ لأن البائع قد أخبره أنها زانية، فليس للمشتري أن يرجع، لكن إذ كان هذا العيب خفياً وأخفاه البائع، ثم تبين للمشتري بعد ذلك أن هذه الأمة زانية أو أنها صرحت لسيدها الثاني أن سيدها الأول باعها لأجل الزنا، فله أن يرجع؛ لأن البائع أخفى عيباً لا يظهر في الغالب، لكن إنما إذا كان العيب من العيوب الظاهرة فليس من حقه أن يرجعه، كالعبد الأعمى الذي يباع، فليس للمشتري حق في إرجاعه وإلا أصبح أعمى مثله! لأنه كيف يشتري عبداً من غير أن ينظر فيه؟ قال: (فإن قيل: كيف يكره شيئاً ويرتضيه لأخيه المسلم؟) يعني: كيف يكره لنفسه أن يمسك هذه الأمة عنده ويبيعها له؟ مع أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وهو نفسه الذي يقول: (فإن زنت الثالثة فبعها ولو)؟

الجواب

النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمرنا بالبيع، لكن بشرط إظهار العيب، فالناس درجات ومراتب.