للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث أنس بن مالك في جلد شارب الخمر]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين)].

فالذي يجلد بجريدة أربعين جلدة يكون قد جلد أربعين، والذي يجلد بجريدتين أربعين يكون قد جلد ثمانين، والذي يجلد بثلاث جرائد يكون قد جلد مائة وعشرين وهكذا، كما قال الله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص:٤٤] والضغث: هو حزمة من شماريخ النخل، وهي متشعبة جداً.

فلما أقسم أيوب عليه السلام أن يضرب امرأته مائة ضربة وشق عليه ذلك أنزل الله تعالى التخفيف فقال: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} [ص:٤٤] أي: من هذه النخلة.

قال: {فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص:٤٤] أي: فاضرب به حتى لا تحنث في يمينك.

فالذي يضرب بشيئين يكون قد ضرب ضربتين، والذي يضرب بثلاث يكون قد ضرب ثلاثاً، فهنا لما جيء برجل قد شرب الخمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضربه بجريدتين أربعين.

وفي هذه الرواية: (نحو أربعين) يعني: تقريباً.

وكلمة: (نحو) تدل على أن العادَّ لم يُحص العد على وجه الدقة والحساب، وإنما قدر ذلك تقديراً، فكان نحو أربعين.

قال: [قال: (وفعله أبو بكر)]، والضمير يعود على هذا العقاب الذي أوقعه النبي عليه الصلاة والسلام بشارب الخمر.

(وفعله) أي: فعل هذا الحد أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

قال: [(فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن - وهو ابن عوف -: أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر)].

والحدود التي أمر الله عز وجل بها في كتابه منصوص عليها، كحد الزنا مائة جلدة لغير المحصن، وحد السارق قطع اليد، وأخف هذه الحدود حد القذف؛ فإن حد القذف المنصوص عليه في القرآن ثمانون جلدة، فلما استشار عمر أصحابه: كيف يحد شارب الخمر؟ قالوا: يا أمير المؤمنين! حده بأخف الحدود المنصوص عليه في القرآن الكريم.

فأخف الحدود حد القذف وهو ثمانون جلدة، فأنفذها عمر رضي الله عنه في حق شارب الخمر.

قال: [وحدثنا يحيى بن حبيب الحارثي قال: حدثنا خالد - يعني: ابن الحارث - حدثنا شعبة حدثنا قتادة قال: سمعت أنساً يقول: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل) فذكر نحو الحديث السابق.

حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا معاذ بن هشام - وهو ابن أبي عبد الله الدستوائي - يحدث عن أبيه عن قتادة عن أنس بن مالك: (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال)].

يعني: يضرب الحد بالنعل كما يضربه بالجريد والعصي.

قال: [(ثم جلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمر ودنا الناس من الريف والقرى)].

حيث سيلان الماء وكثرة الزرع وظهور التمر والعنب واتخاذ الخمر منهما ومن غيرهما كاتخاذه من الشعير والبر وغير ذلك؛ فإنه لما كثرت الفتوحات في زمن عمر وامتدت الرقعة الإسلامية شرقاً وغرباً وكثر الخير وكثر الزرع والثمار اتخذ الناس الخمر من سائر أنواع الزروع والثمار، فكان يجاء بهم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قال: [(فلما دنا الناس من الريف والقرى قال عمر رضي الله عنه -لأصحابه -: ما ترون في جلد الخمر؟)] يعني: هل نتشدد فيه أم نبقيه على أمره الأول؟ فبعضهم أقر عمر أن يجلد ثمانين، أقره علي بن أبي طالب كما أقره عبد الرحمن بن عوف.

قال: اجلدهم ثمانين.

مع أن النص الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه جلد في الخمر نحو أربعين، وجلد على هذا النحو أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

قال: [(قال: ما ترون في جلد الخمر؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخف الحدود.

قال: فجلد عمر ثمانين)] وهذا حد القذف.

قال: [حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن سعيد - وهو القطان - قال: حدثنا هشام - وهشام هو ابن أبي عبد الله الدستوائي - بهذا الإسناد مثله].

أي: بنفس الإسناد السابق.

قال: [وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن هشام عن قتادة عن أنس