للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث جلد عثمان بن عفان للوليد بن عقبة في شربه الخمر]

قال: [وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وعلي بن حجر قالوا: حدثنا إسماعيل] وهو ابن إبراهيم بن مقسم الأسدي الضبي البصري، أمه اسمها علية.

مشهور بالنسبة إليها، يقال: إسماعيل بن علية.

قال: [عن ابن أبي عروبة].

بفتح العين وهو سعيد ابن أبي عروبة لا غيره، وهذا ليس اسماً له كما قال أحد الرواة: حدثنا فلان وفلان وفلان وعدة، فقام إليه أحد الطلاب وقال: (عدة) ابن من؟ قال: عدة ابن فقدتك.

يعني: عدمتك.

قال: [عن عبد الله الداناج].

و (الداناج) كلمة فارسية معناها: العالم، وهو عبد الله بن فيروز مولى ابن عامر المعروف بـ الداناج.

[وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي واللفظ له أخبرنا يحيى بن حماد حدثنا عبد العزيز بن المختار حدثنا عبد الله بن فيروز مولى ابن عامر الداناج حدثنا حضين بن المنذر] حضين وليس حصين، وهو الوحيد في الكتب الستة اسمه حضين، كنيته: أبو ساسان.

قال: [شهدت عثمان بن عفان وأتي بـ الوليد].

وهو الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان أخاً لـ عثمان من أمه، وكان يشرب الخمر وحد فيه مراراً، وكان يشربها حتى يهذي، فإذا هذى افترى.

وأعظم ما ورد عنه من افتراء: أنه صلى الصبح بهم أربعاً وكان إمام المدينة في زمانه، فقالوا له: صليت الصبح أربعاً؟! قال: وما في ذلك، إن شئتم زدتكم.

فالخمر هي أشد شيء يحط من كرامة الإنسان، بل حتى قبل الإسلام تنبه لخطورتها بعض من كانوا في الجاهلية فلم يشربوها؛ لعلمهم أنها تحط من كرامتهم، فلم يثبت قط أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يشربها، ولم يكن يجلس مجلساً يدار عليه الخمر، وكان يتعجب من عاقل يدله عقله على إباحة شرب الخمر، وكان هذا قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام.

قال: [(شهدت عثمان بن عفان، وأتي بـ الوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان)].

أي: أنه كان مخموراً.

وفي رواية: أنه صلى الصبح أربعاً.

ذكرها الإمام الذهبي في كتابه: سير أعلام النبلاء في ترجمة الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وذكر أنه كان فاسقاً.

وهذا ليس طعناً في الصحبة وليس طعناً في عدالة هذا الرجل، فيكفيه إثبات للشرف أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأظن أن الإمام الذهبي تجاوز حده في إثبات الفسق لهذا الصاحب، وكان ينبغي أن يحمل ما وقع من الوليد على حسن توبته، وأنه مات تائباً من هذا الذنب، أو أن هذا الذنب يعافى من إثمه ما دام قد كان يقام عليه الحد، أو أن لهذا الصاحب من الحسنات والفضائل ما يمحو جبالاً من السيئات؛ لأن بعض الناس سألني هذا

السؤال

كيف يقول الذهبي عن أحد أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام: أنه صحابي فاسق؟

الجواب

كلام الذهبي له وجه قوي، وأنتم تعلمون أن صاحب الكبيرة لا يكفر وإنما يفسق بها، وشرب الخمر كبيرة من الكبائر، والصحابة مثل غيرهم في سائر الكبائر، من وقع منهم في كبيرة كان فاسقاً بكبيرته حتى يتوب منها أو يقام عليه الحد، وكل ما هنالك: أن الإمام الذهبي أطلق الفسق عليه لثبوت شربه الخمر وعدم ثبوت التوبة، والذي يترجح لدي -إحساناً للظن بأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام- أنهم ما فعلوا كبيرة إلا وقد تابوا منها، فأنتم تعلمون عموماً أن مرتكب الكبيرة والمصر على الصغيرة كلاهما فاسق وليس بكافر، فإن أقيم عليه الحد فهو كفارته، وإن تاب تاب الله عز وجل عليه، وإن مات مصراً غير مستحل فهو في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه.

قال: [(فشهد على الوليد رجلان أحدهما حمران - وهو مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه - أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ)] فالشهادة على إقامة حد الخمر تكون بشاهدين، فلا بد أن يشهد عند القاضي أو الوالي والسلطان اثنان: أن فلاناً شرب الخمر.

أما حمران فقد رآه يشرب الخمر، وأما الآخر فلم يره يشرب الخمر وإنما رآه يتقيأ.

فهذه ليست شهادة على شرب الخمر وإنما هي قرينة تدل على شرب الخمر، والحدود إنما تقام بإثبات شهادة الشهود أو الإقرار، ولا تقام بهذه القرائن التي احتفت بإثبات القضية؛ ولذلك اجتهد عثمان بن عفان رضي الله عنه لما يعلمه من حال الوليد من قبل، فـ حمران مولاه شهد عنده أنه قد رأى الوليد يشرب الخمر، والثاني قال: وأنا رأيته يتقيأ، فـ