للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حد الخمر والرد على الملاحدة في إنكارهم ثبوت حد شارب الخمر]

مسألة: حد الخمر.

مسألة محل نزاع؛ ولذلك الملاحدة يقفون عند حد الخمر بالذات ويقولون: لم يرد في القرآن الكريم سوى ذكر تحريم الخمر، أما حده فلم يرد كالسرقة.

قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة:٣٨].

الجواب

هذا كلام عام، فالله تعالى قال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:٣٨]، فمن أين تقطع اليد؟ فالكف يطلق عليها اليد، والساعد يد، والعضد يد، والمنكب يد، وكل هذا في اللغة، وفي الاصطلاح يسمى يداً، فلو أننا قطعنا يد السارق من منكبه لغة نكون قد أخطأنا؛ لأن السنة بينت أن القطع من الرسغ: الفاصل الذي بين الكف والساعد.

وقال عليه الصلاة والسلام: (لا قطع في أقل من ربع دينار).

وفي رواية الصحيحين يقول: (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً)، والربع الدينار (٥٠) جنيهاً تقريباً، وقد يكون الربع دينار (١٠٠) جنيه، لكن نحن نقول: (٥٠) جنيهاً، حتى لا نشجع الناس على السرقة.

وقال عليه الصلاة والسلام: (لا قطع في ثمر ولا كثر)، والكثر: هو جمار النخل، فلو أن الواحد منا يمشي في طريقه فنزل بستاناً فإن له أن يأكل منه بشرط ألا يحمل معه منه شيئاً.

هب أنه أكل من هذا البستان بما يزيد على (٥٠) جنيهاً، فهل لصاحب البستان أن يقول له: أنت أكلت شجرة كاملة وهذه إنتاجها عندي معدود وموزون، تساوي (١٠٠) جنيه، فأنت الآن سارق؟ وهل يقام عليه الحد أو لا؟ مثال آخر: لو أن واحداً في عام قحط وجدب سرق ليأكل هو وأولاده، فكانت نسبة المسروق أكثر من حد القطع هل يقام عليه الحد حينئذٍ؟ هل تجدون هذه الاستثناءات كلها في كتاب الله؟

الجواب

لا.

إذاً: قولهم: لا نجد حد الخمر في كتاب الله نرد عليهم فنقول لهم: ولا تجدون كذلك بقية الحدود كلها في كتاب الله عز وجل، فلمَ التمسك إذاً والتشدق بأنكم قرآنيون، وأنكم مستعدون لتلقي الأوامر عن الله لا عن رسوله عليه الصلاة والسلام؟ خاصة وأن الله تعالى جعل طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام هي عين طاعته سبحانه وتعالى، وجعل معصية الرسول صلى الله عليه وسلم هي عين معصية الله عز وجل.

والنبي عليه الصلاة والسلام قد حذر من هؤلاء وأنبأ بوجودهم، فقال: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته شبعان، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: دعونا من هذا.

ما وجدنا في كتاب الله حلالاً حللناه، وما وجدنا في كتاب الله حراماً حرمناه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه).

قال ذلك ثلاثاً.

والسنة هي الحكمة المذكورة في القرآن الكريم، قال تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:٣٤].

وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة:٢].

وغير ذلك من الآيات.

قال الشافعي: (أجمع كل العلماء أن الحكمة في كتاب الله عز وجل هي سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ولا خلاف بين السلف في وجوب الاحتجاج بسنة النبي عليه الصلاة والسلام متى صحت).