للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحالات التي يثبت بها الحد]

قال الإمام تحت باب: ما يثبت به الحد.

ويثبت بالإقرار أو بالشهادة، وهذا ليس خاصاً بشرب الخمر.

الرجل إذا أقر وهو سكران هل يقام عليه الحد؟

الجواب

شهادته غير معتبرة.

أي: أن إقراره غير معتبر مع أن الحالة بينة، لأننا لا ندري هل شرب الخمر مختاراً أم مكرهاً؟ وهل هو لما نطق بالشهادة أو أقر بين يدي القاضي كان عقله ذاهباً أم حاضراً؟

الجواب

كان ذاهب العقل، وذاهب العقل إقراره أو شهادته غير معتبرة، فلو أنك قلت: إن إقرار الشارب معتبر في حال شربه وحال سكره فلا بد أن تقول: إن شهادة السكران بين يدي القاضي في حال سكره معتبرة؛ لأن الشهادة والإقرار هما من باب البينة، ولا بد أن يكون المبين عاقلاً مدركاً لما يقول، وأن يكون بالغاً غير صبي.

فإذا أتى الرجل وهو سكران بين يدي القاضي وقال: شربت خمراً فأقم علي الحد.

لا يقام عليه الحد فإقراره ليس معتبراً؛ وذلك لأنه أقر في حال سكره وذهاب عقله.

وإقراره معتبر بعد ذهاب سكره وإتيانه مختاراً إلى القاضي، وقال: لقد شربت خمراً فأقم علي الحد.

فإذا فعل ذلك وأصر على هذا الإقرار فيجب على القاضي أن يعتبر هذا الإقرار ويقام عليه الحد، وإذا رجع عن هذا الإقرار قبل قيام الحد عليه فليس للقاضي أن يقيم عليه الحد؛ لأن المقر حر في الرجوع حتى يقام عليه الحد، فإذا أقيم عليه الحد فلا عبرة برجوعه، فإذا كان الحد رجماً فرجم مات، فلا مجال للرجوع، وإذا كان جلداً يجلد.

إذاً: الحد يثبت بالإقرار، وشهادة شاهدين عدلين في الخمر وأربعة في الزنا.

بعض أهل العلم يقيمون الحد بالعلم لا بالشهادة، كـ الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان معلوماً شربه الخمر، فلما جيء به إلى عثمان بن عفان شهد عند عثمان رجلان، أما أحدهما فقال: قد رأيته يشرب الخمر.

وأما الثاني فقال: رأيته يتقيأ.

فقال عثمان: لولا أنه شرب لم يتقيأ.

فـ عثمان بن عفان اعتبر أن علامة الشرب هي القيء.

وهذه العلامة محل نزاع؛ فكلنا نتقيأ بغير شرب للخمر! وقد يشرب شخص الخمر ولكنه لا يتقيأ.

إذاً: لا يلزمه أن يتقيأ إذا كان ما شربه خمراً، ولكن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يعتمد العلم في قيام الحد؛ لذلك فإن بعض أهل العلم يأخذ بالإقرار والشهادة، وهذا مذهب الجماهير، وبعض أهل العلم يعتبر العلم في الحد كالشهادة والإقرار.

مثال ذلك: شخص يقول لك: إن ابنك عمل كذا وكذا.

تقول: صحيح هو فعلاً عمل ذلك؛ لأنه معلوم عنه أنه يفعل ذلك كثيراً.

وهذا الرجل الذي اشتكى من ولدي أنا على يقين أنه صادق، كما أني على يقين أن ولدي فعل ذلك؛ لأنني أعلم أن ولدي يفعل ذلك دائماً.

فلما جيء بـ الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى عثمان وشهد لديه شاهد واحد أنه رآه يشرب الخمر، وأما الثاني فقال: أنا ما رأيته يشرب، ولكن رأيته يتقيأ- أقام عليه عثمان الحد وقال لـ علي: قم يا أبا الحسن! فأقم على الوليد الحد، فأمر علي ولده الحسن، فأبى فأمر عبد الله بن جعفر رضي الله عن الجميع فجلده وعلي بن أبي طالب يعد.

فـ عثمان رضي الله عنه كان ممن يذهب إلى أن العلم اليقيني أو غلبة الظن تقوم مقام الشهادة؛ لأن الوليد محدود عدة مرات من قبل ذلك في شرب الخمر، وهو رجل مشهور بذلك.

وأنا قلت لكم في الدرس الماضي: إن الإمام الذهبي قال: هو صحابي فاسق.

يعني: ممن كان يقيم على المعصية ويشرب الخمر ولم يتب منها.

فهذا الذي غلب على ظن الإمام الذهبي حتى تجرأ على القول بذلك في هذا الصحابي.

وأنتم تعلمون أن عقيدة أهل السنة والجماعة تابعة للصحابة رضي الله عنهم، والإيمان بحبهم إلى قيام الساعة، وأن مرتكب الكبيرة فاسق بكبيرته مؤمن بإيمانه، وأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كلهم مؤمنون موحدون، ومنهم الوليد غير أنه ابتلي بشرب الخمر وأقيم عليه الحد غير مرة.

اختلف الفقهاء في ثبوت الحد بالرائحة، وأنتم تعلمون قصة ماعز لما أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (يا رسول الله! زنيت فأقم علي الحد، فقال: لعلك فاخذت لعلك قبلت قال: يا رسول الله! زنيت.

حتى قال له: أتدري ما الزنا؟ قال: نعم.

يا رسول الله! قال: أدخل هذا منك في ذاك منها كما يدخل الرشاء في البئر؟ قال: نعم.

يا رسول الله!) إذاًَ هو يفهم معنى الزنا وقد أقر على نفسه أربع مرات، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه وقال: (أبه جنون؟).

وهذا من موانع قيام الحد.

قالوا: (لا يا رسول الله! ما علمنا عليه من مس) فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أسكر صاحبكم؟).

يعني: هذه الشهادة والإقرار على نفسه ربما يكون في حال سكره، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (