للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث أنس بن مالك في قصة العرنيين]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وأبو بكر بن أبي شيبة كلاهما عن هشيم -وهو ابن بشير بن القاسم السلمي أبو معاوية الواسطي - واللفظ لـ يحيى ومعناه لـ أبي بكر بن أبي شيبة قال هشيم: أخبرنا أو عن عبد العزيز بن صهيب -وهو البناني البصري - وحميد -وهو ابن أبي حميد الطويل - عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن ناساً من عرينة)] وعرينة وعكل، وبجيلة، أسماء قبائل في البحرين.

[(قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاجتووها)].

أي: أصابهم بها داء يسمى داء الجوى، وهو داء يغير لون الجلد، والوجه، ويجعل البطن منتفخة.

قال الأطباء: الجوى داء يصيب الجوف، يؤثر على الجلد، ويؤثر على لون الوجه.

ومنهم من قال: الجوى داء يصيب الصدر، والأمر قريب بين الجوف والصدر.

[فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها)].

أي: فافعلوا.

وإبل الصدقة كانت على مشارف المدينة أو على مداخل المدينة.

والنبي عليه الصلاة والسلام أمرهم أن يشربوا من ألبان وأبوال إبل الصدقة، وربما يقول قائل: وهل هذا جائز أن يشرب الناس من أبوال وألبان الإبل، أو أن يأكلوا، ويشربوا من عموم أموال الصدقة؟

الجواب

أن ذلك جائز، خاصة إذا كانوا فقراء كهؤلاء الذين أتوا من عرينة وعكل، فالنبي عليه الصلاة والسلام إنما أذن لهم باعتبارهم فقراء، وباعتبارهم أبناء سبيل.

وإبل الصدقة كان يقوم عليها مولىً لرسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه يسار، ولما رأى رسول الله من صلاحه، وحسن صلاته ما رأى أعتقه وجعله على إبل الصدقة، وكان مع إبل الصدقة العامة للمسلمين إبلاً أخرى للنبي عليه الصلاة والسلام.

أي: هذه الإبل كان معظمها إبل الصدقة، وهذا لا يمنع أن يكون فيها بعض الإبل للنبي عليه الصلاة والسلام.

قال: [(ففعلوا)] أي: ذهبوا إلى هناك، فشربوا من ألبانها وأبوالها.

وهذا دليل للقائل أن بول وسؤر ما يؤكل لحمه طاهران.

وهذا أمر محل نزاع بين أهل العلم.

فمنهم من قال أنه طاهر.

ومنهم من قال أنه نجس.

فمن قال: إن بول ما يؤكل لحمه طاهر فلا إشكال عنده حينئذ أن يتداوى به.

وأما من قال: إن بول ما يؤكل لحمه نجس فيجعل هذا حادثة عين خاصة للمرض وللتطبيب، وهذا أمر جائز عند جمهور أهل العلم، أنه يجوز التداوي بالنجاسات أو بالنجس ما لم يكن خمراً، ومعظم الأدوية التي يتعاطاها الناس الآن الله أعلم بحالها ففيها من النجاسات والأخباث والأجناس ما فيها، ومع هذا يتعاطاها الناس الآن بغير نتيجة.

قال: [(ففعلوا فصحوا)].

أي: فبرءوا من علتهم ودائهم؛ لما شربوا أبوال وألبان الإبل.

[(ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم)] أي: ثم قاموا على يسار ومن معه من الرعاة فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام.

لا بد أن تعرف جناية القوم: أولاً: لما صحوا وبرءوا من علتهم قاموا على الرعاة فقتلوهم، وارتدوا عن الإسلام، وفي رواية: [(فلما صحوا ارتدوا وقتلوا الرعاة، وجعلوا الشوك في أعينهم)].

يعني: بعد أن قتلوا الرعاة، غرزوا العيدان -الشوك- في أعين الرعاة، وهذا ما يسمى بالتسمير، أو التسميل.

قال: [(وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسل)].

أي: ساقوا الإبل التي شربوا ألبانها وأبوالها أمامهم في انطلاقهم إلى بلادهم.

أي: إلى البحرين.

وجنايتهم: أنهم ارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الرعاة، وسملوا أو سمروا أعينهم، وسرقوا الإبل، فهذه جنايات متعددة.

[(فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث في إثرهم)] أي: أرسل قوماً من الأنصار في طريق هؤلاء ليدركوهم ويأتون بهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام.

قال: [(فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم)] ابتداءً قطع أيديهم وأرجلهم [(من خلاف، وسمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا)] والحرة: اسم مكان لجبل حجارته سوداء حامية.

ومعنى (من خلاف) أي: يقطع القدم اليمنى مع اليد اليسرى، واليد اليمنى مع القدم اليسرى.

ومعنى سمل أعينهم: أي: فقأها، وأذهب ما فيها.

مثلما نقول: سخت عينه.