للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خلاف العلماء في المراد بقوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله)]

قال: (واختلف العلماء في المراد بهذه الآية الكريمة).

فمنهم من قال: نزلت في قوم مشركين.

ومنهم من قال: بل نزلت عتاباً للنبي عليه الصلاة والسلام أنه سمل أعينهم، وليس هذا براجح، إنما الراجح أن هذه الآية وإن نزلت قبل هذه الحادثة إلا أنها صالحة للعمل إلى قيام الساعة، فهي من باب عموم اللفظ، والأصل الأصيل: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهذه الآية محكمة وليست منسوخة، وعليها العمل، وقد عمل بها السلف، خاصة الصحابة، والخلفاء الراشدون، وكلهم يقولون: هذه الآية عامة.

وفيما يتعلق بسبب نزولها أو ببقائها فهي غير منسوخة أي: محكمة إلى قيام الساعة.

قال: (واختلف العلماء في المراد بهذه الآية، فقال مالك: هي على التخيير).

يعني لو جيء بالمحارب إلى السلطان فهو مخير بين أن يقتل، أو يصلب، أو يقطع، أو ينفي من الأرض، لأن الآية ذكرت التخيير: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة:٣٣] فـ (أو) عند مالك وغيره أنها للتخيير، فيخير الإمام بين هذه الأمور، إلا أن يكون المحارب قد قتل فيتحتم على الإمام قتل هذا المحارب.

(وقال أبو حنيفة وأبو مصعب المالكي: الإمام بالخيار وأن قتلوا).

وهذا رأي ضعيف جداً.

(وقال الشافعي وآخرون: هي على التقسيم).

وهو الراجح وهو مذهب الجماهير وعلى رأسهم الإمام الشافعي: أن العقوبة على التقسيم لا على التخيير.

(فإن قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا).

والمحارب هو شخص شرد عن الجماعة واتخذ له طريقاً غير مسلوكة، بعيداً عن البلد، وتسلح استعداداً لقتال وحرب كل من مر به وأخذ متاعه حتى وإن أدى ذلك إلى قتله وإزهاق روحه، فإذا تصرف قوم على هذا النحو واجتمعوا، وقاموا على الإمام، أي: يحاربون أهل البلد، ويحاربون الإمام، وجب على الإمام أن يقاتلهم وإن قتلهم جميعاً، وإن لم يكونوا قد ارتدوا؛ لأن المحارب ليس مرتداً، أما النفر من عرينة وعكل فهؤلاء قتلوا ردة؛ لأنهم ارتدوا عن الإسلام، لكن حديث عكل وعرينة موافق للآية فيما يتعلق بأحكام المحاربين.

أما المحاربون المسلمون إن قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا قصاصاً، وإن قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، فالقتل من القتل، والصلب لأخذ المال، فإن أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، بأن تقطع يده اليمنى مع الرجل اليسرى، والعكس بالعكس.

قال: (فإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا شيئاً ولم يقتلوا طلبوا حتى يعزروا -أي: ينفوا من الأرض- وهو المراد بالنفي عند الشافعية).

(قال: قال أصحابنا -أي الشافعية- لأن ضرر هذه الأفعال مختلف فكانت عقوباتها مختلفة).

أي: لأن ضرر الحرابة مختلف؛ فالضرر منه القتل، ومنه أخذ المال وغير ذلك فتنوعت كذلك العقوبة لتنوع الضرر.

فهذه حجة الشافعية.

قال: (لما نوع الله تعالى العقوبة دل ذلك على تنوع الضرر، فناسب أن يكون لكل ضرر عقوبة).

فقول الشافعية هو أرجح الأقوال وهو: إن قتلوا فقط قتلوا، وإن قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإن أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإن أخافوا السبيل ولم يأخذوا شيئاً ينفوا من الأرض.

قال: (ولم تكن (أو) لتخيير، وتثبت أحكام الحرابة في الصحراء).

وهذا بخلاف القرية أو المصر أو المدينة، ولذلك العلماء يقولون: شرط الحرابة أن تتم خارج المصر لا في داخل المصر.