للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتهم وأزواجهم]

قال: (باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتهم، وأزواجهم).

قال: [عن محمد بن سيرين].

وهو إمام من أئمة التابعين، وسيد من ساداتهم، إمام من أئمة البصرة، يروي عن أبي هريرة رضي الله عنه، لكنه هنا يروي فيقول: (إما تفاخروا وإما تذاكروا).

يعني: الصحابة رضي الله عنهم اجتمعوا فتكلموا في أمر الجنة والنار، وتكلموا في أمر الرجال والنساء أيهما أكثر في الدنيا وفي الآخرة، وفي الجنة وفي النار؟ فقال: إما تفاخروا وإما تذاكروا، يعني: اجتمع الرجال والنساء، وصارت بينهم مناظرة، هذه المناظرة إما على سبيل التذكرة، أو المفاخرة: [الرجال في الجنة أكثر أم النساء؟].

هذا موطن المناظرة: الرجال في الجنة أكثر أم النساء؟ [فقال أبو هريرة: أولم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوأ كوكب دري في السماء، لكل امرئ منهم -أي: ممن يدخل الجنة- زوجتان اثنتان)].

أي: من الحور العين، فلو أن كل واحد دخل الجنة له زوجتان اثنتان، فأيهم يكون أكثر الرجال أم النساء؟ مع ملاحظة أنه ليس في الجنة عزوبة، كل من دخلها تزوج فيها، ويزيد الله تعالى ما يشاء لبعض عباده، حتى يبلغ حظ الشهيد من الحور العين اثنتين وسبعين امرأة من الحور العين، فأيهما أكثر في الجنة الرجال أم النساء؟ النساء أكثر؛ لأن النساء على الأقل ضعف عدد الرجال الذين دخلوا الجنة؛ لأن لكل واحد منهم زوجتين، مع أن بعض من يدخل الجنة يزيد الله تعالى له من الحور العين، فلابد أن النساء أكثر أهل الجنة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (دخلت الجنة فإذا عامة أهلها الفقراء والمساكين)، وقال: (واطلعت في النار فإذا عامة أهلها النساء، فقالت امرأة جزلة -عاقلة-: يا رسول الله ولم؟ قال: لأنهن يكفرن.

قالت: يا رسول الله! أيكفرن بالله؟ قال: لا، يكفرن الإحسان، ويكفرن العشير)؛ أي: عشرة الزوج، ثم بين النبي عليه الصلاة والسلام ذلك فقال: (يحسن إليكن الرجل الدهر كله فإذا بدا منه شيء قلتن: والله ما رأينا منك خيراً قط) فهذا هو كفران العشير.

وقال عليه الصلاة والسلام: (ما رأيت أذهب للب الرجل الحازم منكن)، الرجل الحازم العاقل أحياناً يغضب ويثور ويفلت منه الزمام بسبب امرأة، وهو في أصله إنسان حازم، عاقل، لكنه يفقد ذلك حينما تغضبه امرأته.

والشاهد من هذا الحديث: أنه عليه الصلاة والسلام قال: (واطلعت في النار فوجدت أكثر أهلها النساء)، إذاً: أكثر أهل النار النساء، وأكثر أهل الجنة النساء، وهذا يفيدنا نسبة وتناسب أن النساء في بني آدم أكثر من الرجال، ومن أشراط الساعة كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (لا تقوم الساعة حتى يقل الرجال ويكثر النساء، حتى يكون لكل خمسين امرأة قيم واحد)؛ يعني: رجل واحد، ولا يعني هذا حل أن يتزوج رجل بخمسين، إنما نسبة وتناسب بين الرجال والنساء واحد إلى خمسين، فالرجل يقابله خمسون من النساء، ولا يعني هذا صحة نكاح الخمسين إنما هو دليل على أن الأمر قبل قيام الساعة هو كثرة النساء وقلة الرجال؛ بسبب الجهاد، والغزوات، وغيرها التي تكون في آخر الزمان.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر)، أول دفعة تدخل الجنة وجوهها كالقمر ليلة البدر، أي: في ليلة التمام والكمال، فهذه وجوه الناس وصفاتهم الذين يدخلون الجنة لأول وهلة، ثم يعقبهم زمرة أخرى يكونون على هيئة أضوأ كوكب في السماء بعد القمر، وأنور كوكب، وهو ما يسميه الفلكيون بالكوكب الدري، وأنتم تعلمون أن الدر هو أعظم الجواهر، ولذلك سميت الدرر درراً لأنها ثمينة، غالية مضيئة، تشبيهاً بأعظم كوكب في السماء بعد القمر في ليلة البدر والتمام، وهو الكوكب الدري، فهذه هي صورة القوم الذين يدخلون ثانياً بعد الزمرة الأولى.

قال: (لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم) أي: ما داخل السوق والقدم يراه المرء، تصور أنك ترى العظام الداخلية في قدم الحورية من الصفاء والنقاء، ينظر الرجل إلى امرأته فيرى مخ ساقها من وراء اللحم، كما ينظر في خدها فيرى صورته في خدها، وترى صورتها في خده من الصفاء والنقاء، وهذا يدل على أن أهل الجنة على أكمل هيئة وأتم صورة، وأن الناس إذا دخلوا الجنة كانوا على غير هيئتهم في الدنيا، الصغير يكبر، والشيخ الهرم يصغر حتى يكونوا جميعاً في سن واحد: {عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة:٣٧]، ومعنى (أَتْرَابًا): أي في سن واحد.

قال: (وما في الجنة أعزب)، كل من دخلها تزوج، سواء كان متزوجاً في الدنيا أو ليس متزوجاً، لابد لكل من دخل الجنة أن يكون عنده من الأزواج الحور العين اثنتان، ويكون عنده كذلك من نساء الدنيا أحب النساء إليه من زوجاته، فلو أن واحداً