للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إثبات الأسماء والصفات لله تعالى]

والتوحيد الاعتقادي العلمي، وهو الذي يختص بأسماء الله وصفاته.

والمقصود به: إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من أسماء وصفات؛ لأنها توقيفية.

فلا يجوز لأحد أن يسمي الله تعالى أو يصفه بغير ما سمى أو وصف به نفسه، أو بغير ما سماه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، بل نثبت لله ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تمثيل ولا تكييف، أي: من غير أن نمثل الله تعالى بشيء من خلقه، ولا نكيفه تكييفاً، كما قال الإمام مالك ومن قبله أم سلمة وشيخه ربيعة الرأي - ربيعة بن أبي عبد الرحمن - وقد كان فقيه أهل المدينة، وإمام الرأي فيها لما سئل عن قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ثم أمر بإخراج ذلك السائل من المسجد؛ لأنه سأل تعنتاً ولم يسأل تعلماً.

فقال: الاستواء معلوم، أي: أنه معلوم في لغة العرب، فالاستواء بمعنى: العلو والارتفاع، فالله عز وجل مستو على عرشه، بائن من خلقه، بمعنى: أنه عال ومباين لخلقه.

وأما آيات وأحاديث المعية فهي محمولة على معية العلم والسمع والبصر، {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:٧].

فمعية الله عز وجل لخلقه هي معية علم وسمع وبصر وإحاطة، وأما الله عز وجل فقد استوى على عرشه، فالاستواء معلوم عند سلفنا، بل وفي لغة العرب، ويعلمه البدوي والحضري على السواء.

ثم قال: والكيف مجهول، أي: مجهول للخلق، ولا يجهل الله عز وجل ذاته وكنهه، كما قال بعض الأساتذة: الكيف مجهول على الله، وهذا في حد ذاته قول كفر، فإن الكيف مجهول على الخلق لا على الخالق سبحانه وتعالى.

وقوله: الاستواء معلوم، أي: معلوم بأنه الارتفاع والعلو، والكيف مجهول.

وكان السلف يفوضون الكيف لا المعنى، ولا العلم؛ لأن صفات الله عز وجل معلومة بمعانيها، وأما كيفيتها فلا يعلمها إلا الله عز وجل.

قال: والسؤال عنه بدعة، أي: السؤال عنه تعنتاً لا تعلماً، ومن أراد أن يعرف كيفية الاستواء فاعلم أنه صاحب قلب مريض؛ لأنه لا يمكن تشبيه الخالق سبحانه وتعالى بالمخلوق.

قال: وينفي عن الله عز وجل ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، كما قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١].

فنفى مثلية الله عز وجل لخلقه ومشابهة الخلق له سبحانه وتعالى، ثم أثبت لنفسه بعض الصفات حتى يرد على المثبتة أو المجسمة ويرد على النفاة.

فهذه الآية ترد من جهة إثبات الله عز وجل لأسمائه وصفاته على النفاة، كما ينفي الله عز وجل عن نفسه ما قاله عنه المجسمة، فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].

مع الإيمان بمعاني ألفاظ هذه النصوص وما دلت عليه.