للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اليقين]

الشرط الثاني من شروط لا إله إلا الله: اليقين المنافي للشك، واليقين الذي لا شك فيه هو الاعتقاد الجازم أن الله تعالى إله واحد، بحيث لا يساور قائلها ريب ولا شك بمدلولها.

والإيمان لا ينفع فيه إلا علم اليقين لا علم الظن، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات:١٥]، أي: لم يشكوا في الإيمان بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم، {وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:١٥].

فاشترط الله عز وجل في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا ولم يشكوا؛ لأن الارتياب صفة المنافقين والعياذ بالله تعالى، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ} [التوبة:٤٥]، أي: في التخلف عن الجهاد، {الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة:٤٥]، أي: في شكهم يتحيرون ويتيهون.

وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة).

فيشترط اليقين بالله عز وجل، وبأنه واحد أحد، فرد صمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فمن شك في شيء من ذلك فإنه لم يحقق اليقين، وقد فقد شرطاً من شروط توحيد الله عز وجل، ولا شك أنه بفقد الشرط يفقد المشروط.

وفي رواية: (لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث طويل: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه بنعليه وقال له: اذهب بنعليَّ هاتين، فمن لقيت خلف هذا الحائط -أي: خلف هذا البستان- يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة، فكان أول من لقي أبو هريرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسأله عمر: ما هذان النعلان يا أبا هريرة؟! قال: هما نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني بهما - أي: كدلالة وعلامة على وجوده داخل الحائط والبستان - فقال: يا أبا هريرة! اذهب فمن لقيت خلف هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة، قال: فضربني عمر بين ثديي فخررت لاستي، ثم هرولت وأسرعت إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وفي أثري عمر - أي: وعمر خلفي مباشرة - حتى جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله! إن عمر ضربني بين ثديي فخررت لاستي، فلما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أقر بأنه قد فعل ذلك، فقال: ما الذي حملك على ذلك يا عمر؟! قال: يا رسول الله! لا تبشرهم فيتكلوا دعهم يعملون، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: دعهم يا عمر - أي: دعهم يعملون -) وأقره على فهمه واجتهاده رضي الله عنه.

فاشترط النبي صلى الله عليه وسلم في دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقناً بها قلبه غير شاك فيها، وإذا انتفى الشرط انتفى المطلوب.