للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (أول زمرة تلج الجنة)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها: وأنتم تعلمون أن هذا السياق الإسنادي إنما ينظم إلى ما تسمى بصحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة.

قال همام: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كيت وكيت وكيت مائة واثنين وأربعين حديثاً، جمعها الإمام أحمد في مسنده، في المجلد الثاني من مسند أبي هريرة، فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول زمرة تلج الجنة)].

وكلمة (تلج) بمعنى: تدخل.

ولكن الولوج فيه معنى زائد على الدخول، كأنه الدخول بقوة، ولذلك: (أتى رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فاستأذن قال: أألج يا رسول الله؟) يعني أأدخل يا رسول الله؟ (فقال النبي عليه الصلاة والسلام لـ أنس: اذهب فعلمه كيف يستأذن.

فخرج إليه أنس فقال: إذا أردت الاستئذان فقل: أأدخل ولا تقل أألج؟).

فكأن الله عز وجل كافأ عباده المؤمنين الذين يدخلون الجنة أنهم يدخلونها دخولاً قوياً، فالولوج يناسب الجنة ولا يناسب الدنيا، ولذلك أنكر النبي عليه الصلاة والسلام على من أراد أن يلج في بيته، وأثبت أن دخول الجنة هو دخول وزيادة، والزيادة هي الولوج.

قال: [(أول زمرة)] أي: أول عصابة، ومجموعة، وفوج يدخلون الجنة [(صورهم على صورة القمر ليلة البدر)] وهذا لا يلزم المماثلة والمشابهة في الصورة من جميع الوجوه.

فقولك: فلان مثل فلان، لا يلزم أنه مثله في الطول، والعرض، واللون، ولون العينين، وطول اللحية، ولون اللحية، وفي الأخلاق، والهدي، والسمت، لا يلزم أن يكون كذلك، وإنما تقول: محمد كأحمد.

أي: في الأدب.

محمد كإبراهيم.

أي: في حسن الخلق.

محمد كزيد.

أي: في الطول.

محمد كإبراهيم في العرض.

لا يلزم أن تكون المماثلة من كل زاوية وناحية، إنما يقال: فلان كفلان في بعض الشبه، وفي بعض الصفة، ولا يلزم أن تكون المماثلة في كل الصفات، فهكذا النبي عليه الصلاة والسلام شبه أول زمرة تدخل الجنة: (أنها على صورة القمر ليلة البدر)، وتسميته للقمر ليلة البدر يعني: في شدة وضاءته وجماله وحسنه وتمامه، فهذه الزمرة التي تدخل الجنة تكون صورهم كصورة القمر لا أنهم أقمار، فلا يكون الإنسان قمراً كما لا يكون القمر إنساناً، لكنه شبه الداخل أولاً إلى الجنة بأن صورته كصورة القمر، وفي الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام: (كان إذا سر من شيء تهلل وجهه كأنه القمر ليلة البدر).

وفي الحقيقة ليس هو كالقمر في ليلة البدر، وإنما هذا تشبيه في أحد الأوصاف، كان إذا ضحك، وتبسم، وتهلل وجهه يفرح الإنسان الناظر إليه أكثر من فرحه أو كفرحه إذا نظر إلى القمر ليلة البدر.

ثم قال: [(لا يبصقون فيها)].

والبصق هو التفل.

وهذا يدل على ذم هذه الصفة في الدنيا، إذا سرت في الطريق فرأيت رجلاً يبصق على الأرض فلابد أنك تتأذى منه.

ثم قال: [(ولا يمتخطون)].

أي: من النخامة، والنخاعة، وأنتم تعلمون: (أن النبي رأى رجلاً يتنخم في قبالة المسجد، وكان إمام قومه فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لا يصلين لكم -أي: لا يؤمكم بعد ذلك- فلما أتى ليؤم الناس منعوه وقالوا: إن رسول الله منعك أن تصلي بنا إماماً، فذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: أمنعتني يا رسول الله أن أصلي بالقوم؟ قال: نعم؛ لأنك آذيت الله ورسوله بالنخامة في المسجد).

وفي الحديث: (وجد النبي عليه الصلاة والسلام نخامة في جدار المسجد أو في قبالته فحكها عليه الصلاة والسلام).

وفي هذا دليل على تواضعه ومراقبته لحرمة بيوت الله عز وجل.

وقال: (إذا وجد أحدكم النخامة فليدلكها بقدمه).

أي: إذا كانت طرية.

وفي قول له: (إذا وجد أحدكم النخامة في المسجد فليحكها بأظفره).

وهذا إذا كانت يابسة جافة.

قال: [(لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون فيها)].

ومع هذا النعيم الذي يأكلونه ويتلذذون ويتنعمون به في كل وقت وحين لا تنقطع لهم لذة ومع هذا فهم لا يتغوطون، ولا يبولون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون.

قال: [(آنيتهم، وأمشاطهم من الذهب والفضة)].

أي: الأواني التي يأكلون فيها، والملاعق التي يأكلون بها من الذهب والفضة، ومن أكل في هذه الأواني في الدنيا لابد وأنه سيحرم منها في الآخرة، والجزاء من جنس العمل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الذي يأكل في آنية الذهب والفضة كأنما يجرجر في بطنه نار جهنم) أي: من أكل بهما في الدنيا كأنه