للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على من يحتج بالقدر على ترك العمل]

وبعض الناس يقول: إذا كانت هذه المسائل مكتوبة، وأن الله تعالى قدر وعلم وكتب هذه الأعمال كلها قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة فلم العمل؟ ونقول: لابد أن تعمل؛ لأن كل مخلوق ميسر لما خلق له، وأعظم جواب يرد به على هذا القائل: أنه لا يعلم ما الذي كتب له؛ لأنه مخفي عنه، فلابد من العمل، والله عز وجل ييسره للعمل، فإن كان من أهل الشقاوة يسره الله لعمل أهل الشقاوة، وإن كان من أهل السعادة يسره الله لعمل أهل السعادة.

قال: وقد يظن بعض الناس أن العمل لا فائدة منه مع الإيمان بهذه المراتب، وهذا كلام من أبطل الباطل، وقد وضح الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر أتم توضيح وأبينه، وأزال كل الالتباس، وبين أن الإيمان بالقضاء لا يتنافى مع العمل، ففي حديث علي بن أبي طالب في الصحيحين قال: (كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه مخصرة، فجعل ينكس أو ينكت بمخصرته في الأرض، ثم قال: ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار)، أي: أن الله تعالى علم عن كل نفس منفوسة من أول الأمر أنها من أهل الجنة أو من أهل النار، وكذلك كتب هذا الأمر أنه من أهل الجنة أو من أهل النار.

قال: (إلا وقد كتبت شقية أو سعيدة، فقال رجل: يا رسول الله! أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فقال: لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:٥ - ١٠]).

ومن هذا يظهر بوضوح أن الله تعالى شاء كل شيء، وخلق جميع أفعال العباد، وأوجدها من خير وشر، والعبد يقوم بفعل ما خلقه الله فيه وأوجده، وقد جاء عن عبد الله بن عباس مرفوعاً: (الله خالق كل صانع وصنعته).

وقد جاء في القرآن الكريم ما يؤيد ذلك أيضاً في قوله تعالى: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:٩٥ - ٩٦]، أي: أتنحتون هذه الآلهة من هذه الحجارة ثم تعبدونها، والله عز وجل خلقكم وما صنعتم، أي: أن الله تعالى هو الذي خلقكم وأوجدكم، وكذلك خلق وأوجد ما صنعتم بأيديكم، فكل ذلك من خلق الله عز وجل، يعني: أن الله تعالى خلقكم وما تعملون من نحت وغيره.

قال: وهذه القضية يجب على كل مسلم أن يوقن بها، ويعلم أنه يعمل فيما قدر عليه وفرغ منه.