للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أولاً: دلالة العقل على وجود الله تعالى

فأما دلالة العقل على وجود الله عز وجل فنقول: هل هذه الكائنات الموجودة وجدت بنفسها وبذاتها، أو وجدت هكذا صدفة؟ وهذا سؤال يطرح على أصحاب العقول؟ فإن قال ذلك المسئول: وجدت بنفسها؟ ف

الجواب

أن ذلك مستحيل عقلاً مادامت معدومة، وإذا كانت هي في أصلها معدومة فكيف وجدت؟ وكيف تكون موجودة وهي معدومة؟ فالمعدوم ليس بشيء حتى يوجد، فضلاً عن أنه يوجد غيره.

وإن قال: وجدت صدفة فنقول: أيضاً هذا يستحيل، ثم نسأل هذا الجاحد: هل ما أنتج من الطائرات والصواريخ والسيارات والآلات وأنواعها من زخارف الدنيا وجدت بنفسها أو وجدت هكذا مصادفة؟ فلا شك أنه سيقول: إن لها صانعاً، فيقال له: لا يمكن أن يكون غير ذلك، وكذلك هذه الجبال والشمس والقمر والنجوم والشجر والرمال والبحار وغير ذلك لا يمكن أن توجد هكذا صدفة أو أن توجد نفسها.

وقد قيل: إن طائفة من أهل الهند أتوا إلى أبي حنيفة رحمه الله -وكان أبو حنيفة رحمه الله من أذكياء العالم في ذلك الزمان- يسألونه عن وجود الله عز وجل، وقد كانوا جاحدين ومنكرين لوجود الله، وأصل الشرك ظهر في الهند، وسيطر الشيطان من أول أمره على بلاد الهند في عبادة غير الله عز وجل، فقال أبو حنيفة: ائتوني بعد يوم أو يومين، فلما جاءوه قالوا: ماذا قلت، أو ماذا فعلت؟ قال أبو حنيفة: أنا أفكر في سفينة مملوءة بالبضائع والأرزاق جاءت تشق عباب الماء حتى أرست في الميناء وأنزلت الحمولة ثم ذهبت وليس فيها قائد ولا حمالون، فقالوا له: أتفكر في هذا وأنت إمام المسلمين؟ قال: نعم، قالوا: إذاً: ليس لك عقل، فهل يعقل أن سفينة تأتي بدون قائد وتنزل وتنصرف بدون قائد ولا حمال، فهذا ليس بمعقول، فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: كيف لا تعقلون هذا وتعقلون أن هذه السماوات والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والناس كلها بدون صانع ومدبر وخالق لها؟! فعرفوا أن الرجل خاطبهم بعقولهم وعجزوا عن جوابه.

والجاحد لآيات الله عز وجل ولوجوده لابد أن يخاطب بما يفهمه، أو بما تفنن فيه وتخصص فيه، ولذلك العرب الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم تحداهم القرآن أن يأتوا بمثل القرآن أو بعشر سور، أو حتى بسورة واحدة، وقد كانوا أهل بلاغة وفصاحة، وحتى الذي كان منهم يفتري على الله عز وجل الكذب، ويأتي بآيات من عنده مفتراة ومكذوبة كان أصحابه يعلمون أنه يكذب، ويعلمون أن كلامه كلام بشر، وليس كلام الله عز وجل.

وقيل لأعرابي من البادية: بم عرفت ربك؟ فقال: الأثر يدل على المسير.

وقد كان العرب ينظرون في الصحراء إلى أثر الأقدام، ويعرفون المار من خلال آثار الأقدام، وقد بلغوا في هذا مبلغاً عظيماً، فقد كانوا يقولون: صاحب هذا القدم هو ابن لصاحب هذا القدم.

قال الأعرابي: الأثر يدل على المسير، والبعر يدل على البعير -أي: أن البعرة على الأرض إنما هي نتاج طعام وشراب لبعير كان هناك- فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟ ولهذا قال الله عز وجل ذاماً وموبخاً للمكذبين الضالين: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:٣٥].

ومعنى الآية: هل خلقوا صدفة؟ أم هم الذين أوجدوا أنفسهم؟ وهذا الكلام خرج مخرج التوبيخ والتقريع لهؤلاء المكذبين الضالين.

فدلالة العقل دلالة قطعية على وجود الله عز وجل.