للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شبهة حول النصوص التي أثبتت خلقاً لغير الله والرد عليها

فإن قال قائل: كيف تجمع بين ما قررت وبين إثبات الخلق لغير الله؟ يعني: أن هناك من خلق الله عز وجل من أثبت الله تعالى له الخلق أو أثبت الرسول صلى الله عليه وسلم له الخلق، وقد ثبت هذا في قول الله عز وجل: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:١٤].

وكلمة أحسن تفيد بظاهرها أن هناك خالق، ولكنه ليس بأحسن خلقاً من الله عز وجل، وإنما الله عز وجل أحسن الخالقين على الإطلاق، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في المصورين: (يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)، وهذا كلام خرج على سبيل التقريع والتوبيخ للمصورين الذين ينحتون ويصورون الصور يضاهئون بها خلق الله عز وجل، ومثل قول الله تعالى في الحديث القدسي: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي).

و

الجواب

أن يقال: إن الخلق في اللغة خلقان: خلق بمعنى الإيجاد والتكوين من العدم، وخلق بمعنى التحويل، والله عز وجل له الخلق المطلق، أي: الإيجاد والتكوين الأصلي، وأما الذي يطلق عليه خالق من دون الله عز وجل فإنما يطلق عليه ذلك مجازاً، فيقال للنجار الذي يصنع هذا الطاولة مثلاً: قد خلقها وصنعها وفطرها، وليس معنى ذلك أنه خلقها من عدم، فمادة هذه الطاولة هي من خلق الله عز وجل، ولو اجتمع أهل الأرض جميعاً على أن يصنعوا ويخلقوا هذا الخشب فلن يقدروا على ذلك؛ لأن هذا هو ما تفرد الله عز وجل به منذ الأزل.

فالخلق نوعان: خلق بمعنى الإيجاد والتكوين والإحياء، وخلق بمعنى التحويل، فالنجار قام بتحويل هذا الخشب إلى دولاب أو طاولة أو كرسي أو غير ذلك من الأشياء التي ينتفع بها، فإذا قيل: إن النجار هو خالق ذلك الشيء الذي صنعه، فإنما ذلك من باب المجاز أو باعتبار التحويل الذي هو عليه في الواقع.

وقد قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج:٧٣].

فقوله: ((إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ)) (الذين) اسم موصول يشمل كل من دعي من دون الله عز وجل من ملائكة ومن أنبياء ورسل، ومن أولياء ومن شجر وحجر وشمس وغير ذلك، فكل من دعي من دون الله عز وجل يدخل تحت هذه الآية.

فقول الله عز وجل: ((إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ)) كأنه تحد لهم، فلو كانوا يخلقون كخلق الله عز وجل فاجعلوهم وأمروهم أن يخلقوا ذبابة، والله عز وجل لما ضرب هذا المثال أراد به تعجيز من ادعى أنه يخلق كخلق الله عز وجل، فتحداهم أن يخلقوا أتفه وأصغر حشرة وهي الذباب، وإذا كانوا في حال اجتماعهم لا يقدرون على ذلك، فكيف بحال انفراد كل واحد منهم؟ ثم قال الله عز وجل: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} [الحج:٧٣]، أي: لو أن الذباب وقع على وجه ملك من ملوك الدنيا وأخذ منه شيئاً من طيبه أو من بدنه، فلن يستطيع ذلك الملك بجيوشه الجرارة أن يسترد من ذلك الذباب ما أخذه منه من طيب أو مسك أو غير ذلك.

فانظر إلى تحدي الله عز وجل بأقل حشرة مما خلق الله عز وجل.

ثم قال: {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:٧٣].

وهذه هي النتيجة، فالله تعالى هو الخالق المدبر لأمر الكون.