للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجمع بين النصوص التي تثبت تفرد الله بالملك والنصوص التي تثبت ملكاً وتدبيراً للمخلوق

فإن قال قائل: كيف تجمع بين قولك: إن الله تعالى متفرد بالملك وبين إثبات الملك للمخلوقين، كما في قول الله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} [النور:٦١]، وقوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:٦]؟ ف

الجواب

أن الجمع بينهما من وجهين، الأول: أن ملك الإنسان للشيء ليس عاماً شاملاً، فلو أنك تملك كتابك فلا شك أنك لا تملك كتابي، فملك الإنسان قاصر عن ملك الله عز وجل؛ لأن ملك الله تعالى عام وشامل، وأما ملك الإنسان فمخصوص ببعض الأشياء، والخلائق وما يملكون ملك لله عز وجل.

والثاني: أن ملك الإنسان للشيء ليس ملكاً حقيقياً، ولكنه ملك تصرف فقط، بدليل أنه لا يجوز له أن يتصرف فيما يملكه بدون شرع الله عز وجل، فإذا وهبه الله تعالى مالاً فليس حراً في إنفاق هذا المال فيما شاء، فليس حراً في أن يشرب به الخمر، ولا في إنفاقه في أي وجه إلا ما أمره الله عز وجل بإنفاقه فيه.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه).

والبعض يقول: هذا بدني وأنا حر فيه، هذا عمري وأنا حر فيه، وهذا وقتي وأنا حر فيه، وهذا فهم قاصر، فهو ليس حراً في عمره ولا في شبابه ولا في بدنه، والمقصود بالشباب هنا البدن؛ لأنه قال: (وعن شبابه فيما أبلاه).

وهذا يدل على أن البلى يقع على البدن، ولو كان الإنسان حراً في شبابه لجاز له قتل نفسه، أو التردي من جبل، أو شرب السم، ولكن من يفعل هذا فإنه يكون منتحراً قاتلاً لنفسه بغير حق، ولو أن الله تعالى وهب الشخص مالاً من حلال فأنفقه في حرام لحاسبه عليه.

فملك الإنسان في الحقيقة ملك قاصر ومحدود، وأما من حيث إباحة التصرف فليس له مطلق التصرف إلا فيما أذن الله تعالى له فيه.

وأما التدبير فللإنسان تدبير.

والفرق بين تدبير الإنسان وتدبير الله عز وجل من وجهين كالوجهين المذكورين في الملك، فالإنسان لا يستطيع تدبير إلا ما كان تحت حيازته وملكه، ولا بد أن يكون تدبيره على وفق الشرع الذي أباح له هذا التدبير.

وخلق الله تعالى وملكه وتدبيره عام مطلق لا يستثنى منه شيء.

وهذا هو توحيد الربوبية.