للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ملك الموت وقبض أرواح الموتى]

هناك من يقول: إن ملك الموت هو عزرائيل، وهذا مذكور في بعض الكتب، إلا أنه ليس له أصل، فملك الموت اسمه ملك الموت، وإن كان له اسم آخر فالله تبارك وتعالى لم يطلعنا عليه ولم يخبرنا به، وإنما أخبرنا بأنه ملك الموت، والعوام يقولون: عزرائين بالنون، كما يقولون عن إسماعيل إسماعين، من باب التخفيف أو الإبدال.

وملك الموت هو الذي وكل بقبض الروح، قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة:١١].

ومعنى: ((يَتَوَفَّاكُمْ)) أي: يقبض أرواحكم.

وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام:٦١].

وهنا إشكال، فقد قال في الآية الأولى: ((قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ))، فأخبر أن الذي يتوفى هو ملك الموت، وقال: ((حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا) ولم يقل: توفاه ملك الموت، وقال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر:٤٢].

فهذه ثلاث آيات، فهل الذي يتوفى الأنفس الله تبارك وتعالى، أم الرسل، أم ملك الموت؟

و

الجواب

أنه لا منافاة بين هذه الآيات الثلاث؛ فملك الموت يخرجها من البدن ويكون معه ملائكة، فإذا أخرج الروح من البدن تلقفها الملائكة الذين بجوار ملك الموت، فإذا كان الرجل من أهل الجنة كان معهم حنوط من الجنة وأكفان من أكفان الجنة، فيأخذون هذه الروح الطيبة، ويجعلونها في هذا الكفن، ويصعدون بها إلى الله عز وجل، حتى تقف بين يدي الله، ثم يقول: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فترجع الروح إلى الجسد من أجل الاختبار في القبر، فيسأله الملكان: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وإن كان الميت غير مؤمن -والعياذ بالله- فإنه ينزل إليه ملائكة معهم كفن من النار وحنوط من حنوط النار، فيأخذون الروح ويجعلونها في هذا الكفن، ثم يصعدون بها إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها وتطرح إلى الأرض، وهذا مصداق قول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:٣١].

ثم يقول الله تبارك وتعالى: اكتبوا كتاب عبدي في سجين.

نسأل الله تعالى السلامة والعافية.

فهؤلاء الملائكة يأخذون الروح بعد أن يقبضها ملك الموت.

فالذي يقبض الروح من أصلها هو ملك الموت، ثم يتسلمها منه هؤلاء الرسل الذين قال الله عنهم: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام:٦١].

فهؤلاء موكلون بأخذ الروح من ملك الموت إذا قبضها، وملك الموت هو الذي يباشر مسألة قبض الروح بنفسه، فلا منافاة بينهما.

ولما كان الآمر بقبض الروح على الحقيقة هو الله تبارك وتعالى نسبت الوفاة إليه في قول الله تبارك وتعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر:٤٢].