للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشرك في ذات الله بتعطيل أسمائه وصفاته]

وقد تكلم شيخ الإسلام ابن القيم عليه رحمة الله تبارك وتعالى عن التعطيل بأحسن كلام، وبينه وفصله تفصيلاً عظيماً جداً في كتاب الداء والدواء، فقال في باب الشرك: الشرك شركان -أي نوعان-: شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله، أي: بذات الله عز وجل وبأسمائه وصفاته وأفعاله، وشرك في عبادته ومعاملته، وهذا هو الشرك في العبادة، أي: أن تصرف شيئاً مما وجب لله لغير الله، أو أن تتعامل مع الله أو مع الخلق رياء وسمعة.

يقول: وهذا وإن كان صاحبه -أي: الذي أشرك في العبادة والمعاملة- يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.

والنوع الأول من الشرك هو الشرك في ذات الإله سبحانه وتعالى، كأن تعتقد أن لهذا الكون إلهين، مثل إله الظلمة وإله النور عند الثنوية، أو تعتقد أن هذا البلد مثلاً له إلهان؛ إله في السماء وإله في الأرض يشرع من دون الله عز وجل، فهذا كفر مخرج من الملة بالكلية؛ لأن هذا شرك في ذات الإله.

وهذا هو النوع الأول من الشرك الذي تكلم عنه ابن القيم عليه رحمة الله، وهو الشرك في ذات المعبود.

أي: تعطيل الله عز وجل عن أسمائه وصفاته وأفعاله.

قال: (الشرك الثاني: أن تجعل لله نداً وهو خلقك) أي: أن تجعل مع الله إلهاً آخر.

ثم تكلم عن الشرك في ذات الإله بتعطيل أسمائه وصفاته وأفعاله، إلى أن قال: وهو نوعان: شرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون إذ قال: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:٢٣]؟ فقد كان فرعون ينكر على موسى عليه السلام ويسخر منه.

أي أنه يقول له: ليس هناك رب غيري، كما قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٨].

وقال تعالى مخبراً عنه أنه قال لهامان: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:٣٦ - ٣٧].

ومعنى أظن: أعتقد، والظن إما أن يأتي بمعنى الشك، وإما بمعنى القطع فقوله: ((وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا)) أي: وإني لأعتقد أنه كاذب.