للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان ما أعده الله للمجاهدين في سبيله]

قال عليه الصلاة والسلام في حديث أبي مالك الأشعري: (إن الله أعد للمجاهدين في سبيل الله مائة درجة -أي: في الجنة- بين كل درجتين ما بين السماء والأرض) ونحن نعلم أنه بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، اضرب خمسمائة عام في مائة فتكون هذه منازل المجاهدين في سبيل الله في جنة عرضها السماوات والأرض.

ومن حديث أبي هريرة في الصحيحين قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية) حتى لا تعتقد الأمة بعد ذلك أن الجهاد فرض عين.

(ولكن لا أجد حمولة) أي: لا أجد ما أحمل عليه، وليس عندي ما أحمل الأمة عليه، فمنه ما هو فرض عين ومنه ما هو فرض كفاية.

وعن عبد الله بن حبشي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: أي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بنفسه وماله.

قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: من أهريق دمه وعقر جواده) أي: من ذهب دمه وذهب جواده، فهذا أشرف القتل.

وعن أبي فاطمة أنه قال: (يا رسول الله! أخبرني بعمل أستقيم عليه وأعمله.

قال: عليك بالجهاد في سبيل الله فإنه لا مثل له).

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات ولم يغز وليس في نفسه -أي ولم تحدثه نفسه بالغزو- مات على شعبة من شعب النفاق).

وعن أنس بن مالك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (المجاهد في سبيل الله علي ضامن -الله تعالى يضمن من خرج في سبيله- إن قبضته أورثته الجنة، وإن أرجعته أرجعته بأجر وغنيمة).

(إن قبضته) أي: قتل في الجهاد كان من أهل الجنة، وإن رجع إلى أهله رجع بأجر وغنيمة.

وعن الحسن مرسلاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال ربكم: من خرج مجاهداً في سبيلي ابتغاء وجهي فأنا له ضامن، إن أنا قبضته في وجهه -أي: في قتاله وجهاده هذا- أدخلته الجنة، وإن أنا أرجعته أرجعته بما أصاب من أجر وغنيمة).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (توكل الله -أي تكفل الله- للمجاهد في سبيله أن يدخله الجنة أو يرجعه سالماً بما نال من أجر وغنيمة).

وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل: رجل خرج غازياً في سبيل فهو ضامن على الله عز وجل حتى يتوفاه فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجر وغنيمة، ورجل ذهب إلى المسجد -أي: لصلاة الجماعة مع الإمام- فهو ضامن على الله حتى يتوفاه -أي في طريقه هذا- فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجر وغنيمة، ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله عز وجل).

رجل دخل بيته فألقى السلام على أهل بيته فهو ضامن على الله عز وجل.

أما المنافق الذي ضمن الله تعالى وتكفل الله تعالى بدخوله النار فسيأتي معنا حديثه بإذن الله تعالى.

وعن أبي مالك الأشعري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله تبارك وتعالى قال لمن انتدب خارجاً في سبيله) أي: لمن تبرع بنفسه وخرج للجهاد في سبيل الله ابتغاء وجهه وتصديق وعده وإيماناً برسله (إنه على الله ضامن، فإما أن يتوفاه في الجيش بأي حبس شاء -أي: بأي طريقة مات بها- فيدخله الجنة، وإما أن يسيح -يذهب- في ضمان الله وإن طالت غيبته حتى يرده إلى أهله سالماً مع ما نال من أجر وغنيمة، ومن فصل في سبيل الله فمات أو قتل فإنه شهيد، ومن وقصه فرسه أو فصيله أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله، فإنه شهيد وإن له الجنة).

أي وإن كان السهم قد أتاه وهو نائم على فراشه في أرض الرباط والثغر والقتال فهو شهيد، وإن كان يمشي ويروح ويجيء فانفجرت فيه قنبلة أو لغم أو غير ذلك فهو شهيد، وليس بلازم أن تكون الشهادة حين التحام الصفوف، بل يموت الرجل وهو يكون عند الله شهيداً إذا كان ذلك في ساحة القتال بأي طريق وبأي حتف شاء الله.

وعن أنس قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبسة -اسم رجل- عيناً -أي: جاسوساً يستطلع الأخبار- ينظر ما صنعت عير أبي سفيان، فجاء وما في البيت غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحدثه الحديث.

قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فقال: إن لنا طلِبة -أي: مطلبة- فمن كان ظهره حاضراً فليركب معنا) أي: أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول لأصحابه في هذه الغزوة حينما استطلع عير أبي سفيان في غزوة بدر قال: (إن لنا طلِبة، من كان جاهزاً وحاضراً الآن فليركب وليتبعني).

قال الناس: (فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم في علو المدينة) أي: انتظر يا رسول الله! حتى نأتي