للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بالشهادة والجنة]

وعن موسى بن أنس -وهو ابن أنس بن مالك - قال: لما كان حين انكشف الناس يوم اليمامة فقال أنس بن مالك: فأتيت ثابت بن قيس -وهو ابن شماس هذا الرجل الذي كان جهوري الصوت- وقد حسر عن فخذيه وهو يتحنط.

أي: يضع الحنوط في بدنه وثوبه كأنه يتجهز للموت، ويعد كفنه قبل الدخول في المعركة.

قال: فقلت: يا عم! ما يحبسك ألا تجيء؟ فقال: يا ابن أخي! الآن -أي: سآتيك الآن- اذهب وأنا وراءك.

قال: وجعل يتحنط ثم جاء فجلس فقال: هكذا عن وجوهنا حتى نضارب القوم.

كأنه يدفع الناس عن وجهه يمنة ويسرة حتى يخلص للعدو.

قال: ما هكذا كنا نقاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم لبئس ما عودتم أقرانكم.

إن أنس بن مالك كان في زمن النبوة صغيراً، فكان إذا شارك في القتال يصنع الطعام أو يجمع العتاد أو يأتي بالسيوف من هنا أو هناك، ولا يشارك مشاركة فعلية في القتال؛ لأنه كان صغيراً، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يجيز أحداً من أصحابه إلا إذا بلغ (١٥) عاماً، ومرة أجاز من عمره (١٤) عاماً بشرط أن يكون في مؤخرة الجيش لا في مقدمته، فـ ثابت بن قيس لم يعجبه الذي كان من أنس بن مالك، فكيف لو أن ثابت بن قيس رأى حالنا الآن.

هل سيعجبه حالنا؟ فيضرب ثابت أنس في صدره ويقول له: ارجع حتى أصل إلى هؤلاء القوم، لبئس ما عودتم أقرانكم، كان قتالنا مع الرسول عليه الصلاة والسلام أن نخلص إلى القوم في جرأة وشجاعة.

قال: ثم قاتل حتى قتل.

ألم يبشر النبي صلى الله عليه وسلم هذا بالجنة؟ نعم.

وذلك حينما نزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات:٢] وكان جهوري الصوت فظن أن الآية نزلت في حقه، قال: أنا من أهل النار وقد حبط عملي، فلما وصل الخبر إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ائتني به وبشره بالجنة) فلما أتى ثابت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قام النبي صلى الله عليه وسلم إليه يجر إزاره ويقول: (مرحباً برجل يزعم أنه من أهل النار وأنا أزعم أنه من أهل الجنة).

هذا هو ثابت بن قيس بن شماس.

عن عطاء الخراساني قال: قدمت المدينة فسألت عمن يحدثني بحديث ثابت بن قيس، فأرسلوني إلى ابنته.

فسألتها فقالت: سمعت أبي يقول -وفي هذا جواز أخذ العلم عن النساء- قالت: سمعت أبي يقول: (لما أنزل الله على رسوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان:١٨] اشتد على ثابت وغلق عليه بابه وطفق يبكي، فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه، فسأله بما كبر عليه منها؟ فقال: أنا رجل أحب الجمال، وأحب أن أسود قومي، فظن أن هذا هو محبط للعمل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لست منهم بل تعيش بخير، وتموت بخير، ويدخلك الله الجنة) وهذا شرف عظيم.

قالت: (فلما أنزل الله على رسوله: {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} [الحجرات:٢] فعل مثل ذلك، فأُخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فبشره بالجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لست منهم بل تعيش بخير، وتقتل شهيداً، ويدخلك الله الجنة).

فلما استنفر أبو بكر المسلمين إلى أهل الردة واليمامة ومسيلمة الكذاب؛ سار ثابت بن قيس فيمن سار، فلما لقوا مسيلمة -وقد كان بنو حنيفة هزموا المسلمين ثلاث مرات- قال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفرا لأنفسهما حفيرة كالخندق صغير، ودخلا يقاتلان من خلالهما حتى قتلا).

ونظام الخنادق معروف في الجيش إلى الآن.