للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توصية الأمير بتقوى الله في خاصة نفسه ومن معه من المسلمين]

كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي الأمير ابتداءً أن يتقي الله عز وجل في نفسه وفي دينه، وفيمن معه من أفراد السرية أو الجيش، وتقوى الله هي وصية الله عز وجل للأولين والآخرين من الأنبياء المرسلين وعامة الخلق، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يوصي الأمير بتقوى الله في خاصة نفسه؛ لأن النصر لا يكون إلا بتقوى الله، وتقوى الله هي سبب استمطار الرحمة من السماء، كما أن إعداد العدة أمر لازم، ولكنا نعتقد أن دفع الزكاة سبب في النصر، فالنصر من عند الله عز وجل وله أسباب: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:٧] و (إن) هنا شرطية، بمعنى: لو نصرتم الله نصركم الله عز وجل، ونصر الله تعالى يكون بالتزام طاعته، ولزوم تقواه سبحانه وتعالى؛ ولذلك من أعجب العجب أن ترى أمم الكفر شرقاً وغرباً في هذه الأيام تتحرك بأساطيلها وأجنادها لتقابل ثلة قليلة ضعيفة معزولة السلاح كأنها لا تستحي أن تواجه بعض الأفراد العُزّل، ومع هذا قد قذف الله عز وجل في قلوب هؤلاء الرعب عند ملاقاتهم هذه الثلة المؤمنة، واحد، أو ثلاثة، أو عشرة، أو مائة قد أثاروا الرعب في قلوب الكفار مع قوة عددهم وعدتهم، والله تعالى هو الذي قذف في قلوبهم الرعب، وهو القائل: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧] فالله عز وجل هو الذي يقاتل أعداءه.

والعجيب أن نواب هذه الأمة في رفع راية الجهاد في هذا العصر في هذه البقعة الطاهرة الطيبة قد قبروا في أرض أفغانستان أعظم قوة من بلاد الكفر وهي روسيا تحت التراب، وإن شاء الله تعالى يتحقق على أيديها قبر القوة الثانية في العالم وهي أمريكا في هذه الأرض الطيبة المباركة.

أما سائر أفراد الأمة وبلاد الأمة فتستحق الضرب بالنعال حتى تُهان أعظم إهانة؛ لأنهم لم ينصروا الله عز وجل، ولم يفكروا في الرمي الذي أمر الله عز وجل به، وقد امتلأت الأمة أمراضاً بل اتصفت بأخبث الأمراض، وما من مرض في أمة من الأمم السابقة إلا واتصفت به هذه الأمة الآن.

أما حكومة طالبان في تلك البقعة المباركة فقد علموا منذ أول لحظة في لقاء مع عدوهم أنهم لا ينتصرون بعدد ولا عدة، إنما ينتصرون بتقوى الله، فحققوا ذلك أولاً، ووعد الله تعالى لا يخلف، خلافاً لوعيده فهو يفعل فيه ما يشاء سبحانه وتعالى، يخلف أن يُنفد وعيده، أما وعده فلا يخلف، وهذا محض فضل الله عز وجل.

لو أنك نظرت إلى أي بلد من بلاد الإسلام لوجدت الخذلان والمعاصي والفجور والزنا والخنا، وشرب الخمر وأكل الربا وكل البلايا خلافاً لهذه البقعة وهذه الطائفة المؤمنة من الناس؛ ولذلك كل البلاد بجيوشها وخيلها ورجلها مرعوبة أشد الرعب من تهديداتهم، بل هذه البلاد الإسلامية خائفة ووجلة لا ينامون الليل، ويفكّرون في كل حين ولحظة: لو داهمتنا أمريكا ماذا نصنع؟ خلافاً لهذه الطائفة المؤمنة في تلك البقعة المباركة، فإنهم لا يعبئون بهذا، فقد أنزل الله تبارك وتعالى عليهم السكينة والرحمة لاتصالهم بالله عز وجل وتقواهم، وقد جادل أحدهم بعض الصحفيين المنافقين الملاحدة.

قالوا: إن أمريكا أتتكم بكذا وكذا وكذا، هل أنتم مستعدون للقاء العدو؟ قالوا: نعم.

نحن مستعدون، قالوا: وهل أعددتم لهذه الأساطيل وهذه الجيوش العدة؟ قالوا: نعم.

قد أعددنا.

قالوا: كيف أعددتم وماذا أعددتم؟ قال هذا المؤمن: أعددنا لهم معية الله عز وجل، فالله تعالى معنا، ومن كان الله معه لا يهزم ولا يُغلب؛ لأن الحرب دائرة مع الله عز وجل: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق:١٥ - ١٧] (إن الله ليمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) كما في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وغيرهما، فمن كان الله تعالى معه فقد آوى إلى ركن شديد، لا يستطيع أحد أن يخترق هذا الركن ولا أن يغلبه؛ لأن الله تعالى لا يُغلب البتة.

إذاً: كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أرسل جيشاً أو سرية أمّر عليهم أميراً، وأوصاه بتقوى الله في خاصته هو أولاً، انظروا إلى دولة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كانت على أي مستوى من التقوى وإلى دولة عمر وإلى دولة علي وعثمان، وإلى دولة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز! انظروا إلى صدر الأمة المبارك، ماذا كانت عليه الأمة! وماذا حققت من خير وانتصارات حتى صار الإسلام يسري في الأرض وينتشر انتشار النار في الهشيم، وأسرع من ذلك، حتى بلغ مشرق الأرض ومغربها؛ لأن الأئمة على رءوس الإسلام والمسلمين في ذلك الوقت حققوا تقوى الله عز وجل؛ ولذلك يقول الحسن البصري: أعمالكم عمالكم.

كيفما تكونوا يولى عليكم، فإذا كان الوالي والقائد والحاكم ليس تقياً فإنما هو من جنس أمته وشعبه.

قال: [(إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله،