للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان الحالات التي يجوز فيها الكذب]

وقد صح في الحديث جواز الكذب في ثلاثة أشياء: أحدها: في الحرب، والكذب على الزوجة، والكذب للإصلاح بين المتخاصمين -الكذب الصريح- لكن بعض أهل العلم قالوا: الكذب هنا المقصود به: المعاريض، وفي حقيقة الأمر مذهب جمهور العلماء: أن الكذب الصريح حلال في هذه المواطن.

فأقول: معي مائة ألف فرس، ولم يكن معي إلا مائة فرس فقط، فهذا لا شك أنه صريح، لكني ما قلته إلا لإرهاب العدو.

وكذلك الكذب على الزوجة، كأن تقول لها: ما أجملكِ وألطفكِ وأنعمكِ، وهي في الحقيقة في قمّة الدمامة وثقل الدم وقلة الأدب وغير ذلك، لكنك تقول لها هذا الكلام حتى يتلطّف الجو بينك وبينها.

وكذلك الصلح بين المتخاصمين، وهذا يقابل النميمة، فالمختصمان كل منهما ثائر وغاضب في وجه صاحبه، وفي غيبته يسبه ويشتمه ويلعنه، فأنت تذهب إلى أحدهما وتقول له: قال فيك فلان: كذا وكذا ويثني عليك خيراً ويحبك، ويعجب من تفريق الشيطان بينكما وغير ذلك، فلا شك أن الثاني مع التكرار يقبل هذا الكلام، وتذهب للثاني وتقول له مثلما قلت للأول، فلا شك أن هذا يبعث في القلوب التآلف والتحاب والتواد.

أما النميمة، فهي: أن تأخذ كلاماً من فلان وتذهب به إلى علان وتقول: هو قال عنك كذا، بل وتزيد عليه من عندك كلاماً حتى تزيد العداوة بين الاثنين، فهذه هي النميمة، وكفى فيها قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة نمّام) أي: لا يدخل الجنة لأول وهلة، والنميمة كبيرة من الكبائر.

قال الطبري: إنما يجوز من الكذب في الحرب المعاريض دون حقيقة الكذب.

وهذا الكلام يُرد به على الإمام الطبري عليه رحمة الله.