للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث النهي عن تمني لقاء العدو]

[حدثنا الحسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد قالا: حدثنا أبو عامر العقدي عن المغيرة -أي: ابن عبد الرحمن الحزامي - عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموهم فاصبروا)] أي: فإذا كان أمراً واقعاً حتماً مفروضاً فالذي يجب عليكم حينئذ الصبر.

[حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن أبي النضر عن كتاب رجل من أسلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: عبد الله بن أبي أوفى] وهو صحابي مشهور، مصري.

وانظر هنا إلى قول موسى بن عقبة: عن أبي النضر عن كتاب رجل من أسلم.

أي: أنه لم يسمع، وإنما نقله من كتاب؛ ولذلك العلماء يقولون: من أسانيد التحمل: الوجازة أو الكتابة أو الإجازة، والإجازة شرحها يطول، فنكتفي بالكتابة أو الوجازة.

ما هي الكتابة؟ أن أكتب لك بخط أنت تعرفه، مذيلاً باسمي وأقول: ارو عني هذا.

فهذه تسمى كتابة مشفوعة بالإجازة.

أما الكتابة غير المشفوعة بالإجازة: فهي التي يسميها العلماء بالوجادة.

والوجادة: هي أن يترك عالم كتاباً له معروفاً بخطه ومعروفاً بأن هذه الأحاديث من حديثه توجد في مكان يغلب أنها من روايته كالبيت، فإذا مات الرجل وجد هذا الكتاب في بيته، وعلم أن هذه أحاديثه كان يحدّث بها، وأن هذا خطه، لكنه غير مذيل فحينئذ أقول: وجدت في كتاب فلان: (قال: حدثنا فلان قال: حدثنا فلان إلى آخر الحديث)، كما لو أتيت لتنظر في مسند الإمام أحمد بن حنبل فإنك تجد فيه زيادات لـ عبد الله ابن الإمام أحمد.

قال: وجدت في كتاب أبي قال: حدثنا فلان، ولا يخفى على عبد الله بن أحمد بن حنبل أحاديث أبيه، كما لا يخفى عليه خطه ابتداء، قد وجد عبد الله كتباً في غرفة أبيه بعد وفاته لم يسمعها منه، فحدّث بها وجادة.

كذلك أبو النضر يقول: عن كتاب.

أي: إني أُحدثكم من كتاب رجل من أسلم يقال له: عبد الله بن أبي أوفى من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام.

ولو قال أبو النضر: وجدت في كتاب قال: حدثنا فلان، لما كان الحديث صحيحاً.

لأنه سيكون فيه انقطاع وجهالة.

قال: [فكتب إلى عمر بن عبيد الله حين سار إلى الحرورية -ليحاربهم- يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بعض أيامه التي لقي فيها العدو ينتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: (يا أيها الناس! لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية)] أي: لا تتمنوا لقاء العدو بقلوبكم وألسنتكم، واسألوا الله تعالى بقلوبكم وألسنتكم العافية.

قال: [(فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب! اهزمهم وانصرنا عليهم)].

قوله: (اللهم منْزل الكتاب) فيه لغتان: منْزل ومنزّل.