للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد]

الباب التاسع: (باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد).

الأصل فيهم عدم القتل إلا إذا قاتلوا، و (إلا) وما بعد (إلا) ناسخ لما قبلها.

قال: (باب جواز قتل النساء والصبيان)، وهؤلاء يسميهم الشرع الذراري، فالذراري: الأولاد والنساء.

قال: باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد.

البيات هي: الإغارة على العدو ليلاً، فحينما أغير على العدو ليلاً هل أظل أنقّي وأقول: هذا طفل، وهذه امرأة؟ لا أستطيع؛ لأنني أضرب من بعيد، ولم آت لأفرز: هؤلاء أطفال، وهؤلاء نساء، وهؤلاء شيوخ، وهؤلاء رهبان، فقصدي قتل المحاربين، فلا يمنع أن يُقتل في الحالة هذه غير المحاربين من دون قصد، وحينئذ الأطفال والنساء والشيوخ والرهبان يُقتلون تبعاً لا قصداً، وفي هذه الحالة يأخذون حكم المحاربين.

قال ابن عباس: عن الصعب بن جثامة قال: (سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم؟ فقال: هم منهم).

أي: أنهم والمحاربون سواء في الحكم، فليس عليكم شيء إن أغرتم عليهم ليلاً فاقتلوهم جميعاً؛ لأن حكمهم واحد: (هم منهم).

وفي رواية عن الصعب كذلك قال: (قلت: يا رسول الله! إنا نصيب في البيات من ذراري المشركين.

قال: هم منهم).

ومن حديث ابن عباس عن الصعب كذلك: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قيل له: لو أن خيلاً أغارت من الليل فأصابت من أبناء المشركين؟ قال: هم من آبائهم).

يعني: هم وآباؤهم في الحكم سواء في الإغارة ليلاً.

وتقديره: أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن حكم المشركين الذين يبيّتون فيصاب من نسائهم وصبيانهم بالقتل فقال: (هم من آبائهم) أي: لا بأس بذلك؛ لأن أحكام آبائهم جارية عليهم في الميراث وفي النكاح، وفي القصاص والديات وغير ذلك، والمراد: إذا لم يتعمدوا من غير ضرورة.

وأما الحديث السابق في النهي عن قتل النساء والصبيان فالمراد به إذا تميزوا؛ ولذلك يقول الله تعالى: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ} [الفتح:٢٥] أي: لو تميزوا حينئذ لا يحل قتل النساء والصبيان والأصناف التي نهى عن قتلها الشرع.

قال: {لَوْ تَزَيَّلُوا} [الفتح:٢٥] أي: لو تميّزوا وتحيّزوا، هؤلاء في ناحية وهؤلاء في ناحية أخرى، حينئذ لا يحل قتل هؤلاء الأصناف التي نهانا الشرع عن قتلهم، فإن اختلطوا بهم ولم يمكن الوصول إلى المحاربين إلا بقتل هؤلاء؛ فيأخذون حكماً واحداً: (هم من آبائهم)، أي: أنهم في الحكم سواء.

وهذا مذهب جماهير العلماء.

وفي هذا الحديث: دليل على جواز البيات.

أي: أن الحرب خدعة.

قال: البيات: هي مفاجأة العدو ليلاً في عقر داره.

وفيه: جواز الإغارة على من بلغتهم الدعوة من غير إعلامهم بذلك.

وفيه: أن أولاد الكفار حكمهم في الدنيا حكم آبائهم، وأما في الآخرة ففيهم -إذا ماتوا- خلاف، فمنهم من قال: حكمهم في الآخرة حكم آبائهم -أي: كفار أيضاً- ومنهم من قال بالتوقف.

أي: لا نحكم لهم بإيمان ولا بكفر.

ومذهب ثالث قال: يُعقد لهم اختبار وابتلاء فإن نجحوا -أي: في التوحيد- ووحدوا الله تعالى دخلوا الجنة، وإلا فهم من أصحاب النار.

والصواب: أن أطفال المشركين إذا ماتوا قبل بلوغ الحلم ولم يجر عليهم القلم فهم في الجنة.

هذا الرأي الرابع وهو الصواب.

والله تعالى أعلم.