للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر الخلق الذين ينشئهم الله للجنة]

وفي الحديث عدة مسائل: المسألة الأولى: أن هؤلاء الذين أنشأهم الله عز وجل دخلوا الجنة ولم يعملوا خيراً قط، بل ولم يعملوا شراً قط، ليس لهم من الأعمال ما يؤهلهم إلى النار أو إلى الجنة، وهذه مسألة متقررة لدى أهل السنة والجماعة: أن الله تبارك وتعالى إذا عذب من لا يستحق العذاب في نظر الناس فهو يعذبه غير ظالم له؛ لأنه تعالى أعلم به من خلقه، وإذا أدخله الجنة لا يعني ذلك أنه قد استوجب الجنة ببعض العمل، ولكن دخول الجنة متوقف ابتداءً على فضل الله تعالى ورحمته، والعمل ما هو إلا سبب قد أمرنا به أمراً ونهياً، إتياناً وتركاً، لكننا لو عبدنا الله تعالى طيلة حياتنا فإننا لا نستحق بهذه العبادة تلك الجنة، وإنما يتحنن الله عز وجل على عباده الذين أطاعوه في الأمر والنهي بأن يدخلهم الجنة، ورتب على ذلك سبباً وهو طاعتهم لله عز وجل في الدنيا، فالعمل ما هو إلا سبب، لكن لو تخلف السبب فالأمر متعلق بمشيئة الله تعالى، إن شاء عذب وإن شاء غفر، فهؤلاء الخلق أنشأهم الله تعالى لأول مرة، وبغير عمل عملوه أدخلهم الجنة حتى امتلأت.

وأطفال المسلمين الذين ماتوا قبل أن يبلغوا الحلم وأن يجري عليهم القلم يدخلون الجنة بغير نزاع بين أهل العلم، إنما وقع النزاع في أطفال المشركين، والراجح من مذهب أهل السنة والجماعة: أن أطفال المشركين إذا ماتوا قبل البلوغ دخلوا الجنة كذلك لأنهم أطفال، وربما بلغ الواحد منهم الخامسة، والسادسة، والسابعة وزيادة عن ذلك، وربما أتى من الأعمال التي تتناسب مع هذه الأعمار وهي أعمال شر وسوء، لكن الله تعالى يعفو عنها ويجعلها كأن لم تكن ويدخله الجنة إذا مات قبل البلوغ، فليس بغريب أن ينشئ الله تعالى خلقاً جديداً في اللحظة فيملأ بهم الجنة.

قوله: (وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقاً).

أي: يبتدئ لها خلقاً جديداً، ينشئهم ويخلقهم لأول مرة لم يعملوا خيراً قط.

إذاً: دخول الجنة ليس متعلقاً بالثواب والعمل، إنما الثواب والعمل سبب لدخول الجنة، أما تخلف السبب عن المسبب فهذا أمر كلنا يعرفه، الواحد منا أحياناً يأكل ولا يشبع مع أن المقرر في الأذهان أن من أكل شبع، والواحد منا يتزوج لينجب ولا ينجب، فقد حصل السبب ولكن لم تحصل النتيجة، والواحد منا يذاكر لينجح وربما ذاكر وفي نهاية العام لم ينجح، مع أنه قد اتخذ السبب، فلا يلزم دائماً ربط الأسباب بالمسببات، لكن الله تعبدنا باتخاذ الأسباب، فلا يحل لأحدنا أن يمتنع من طعامه وشرابه ويقول: الله تعالى يطعمني ويسقيني، لا يحل له ذلك، كما أنه لا يحل له أن يتكاسل عن الجد والاجتهاد طول العام ويقول: إذا أراد الله تعالى النجاح لي وفقني إليه في آخر العام.

وكذلك لا يحل لأحدنا أن يقول: أنا لا أتزوج النساء؛ لأن الله إذا شاء أن يرزقني الولد بغير زواج ولا نكاح فعل.

نحن نعتقد أن كل ذلك في مقدور الله عز وجل كما أنشأ عيسى بن مريم من أمه بغير أب، وكما أنشأ آدم بغير أب ولا أم، وكما أنشأ حواء من جنب آدم، فكل ذلك في مقدور الله تعالى، لكن هذه نواميس كونية الله عز وجل قدرها لأمور معينة، ومعجزات تجري على أيدي هؤلاء، هذا فيما يتعلق بالنسبة للجنة.