للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقوال العلماء في سهم الفارس والراجل من الغنيمة]

اختلف العلماء في سهم الفارس والراجل من الغنيمة.

هذا أمر محل نزاع بين الجمهور وبين الأحناف.

أما الجمهور فقالوا: يكون للراجل سهم واحد وللفارس ثلاثة أسهم، سهمان بسبب فرسه وسهم له هذا مذهب الجمهور.

وممن قال بهذا: ابن عباس ومجاهد والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي والثوري والليث والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وابن جرير وآخرون.

فمذهب الجمهور: الذي يركب خيلاً له سهم، ولخيله سهمان، فتكون عنده هنا ثلاثة أسهم.

أما الذي شارك في الجهاد على رجليه -الراجل- فله سهم واحد.

إذاً: سواء كان راجلاً أو راكباً فله سهم، أما الفرس فله سهمان.

وأما الأحناف وبالذات أبو حنيفة قال: للفارس سهمان فقط: سهم له وسهم لفرسه.

قالوا: ولم يقل بقوله هذا أحد.

أي: كأن أبا حنيفة تفرد بهذا.

وهو في الحقيقة لم يتفرّد؛ لأن ذلك قد روي عن علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري.

أما حجة الجمهور فهذا الحديث، وهو صريح على رواية من روى: (للفرس سهمين، وللرجل سهماً) بغير ألف في الرجل.

يعني: لم يقل: للراجل.

ومن روى: (وللراجل) فروايته محتملة، فيتعين حملها على موافقة الأولى جمعاً بين الروايتين.

فالمذهب الراجح في القضية وهو مذهب الجمهور: أن من شارك في الجهاد بفرسه يأخذ ثلاثة أسهم: واحداً لنفسه، واثنين لفرسه.

أما من شارك في الجهاد بغير فرس -أي: على رجليه- فله سهم واحد.

وأما مذهب الأحناف فمذهب مرجوح إن لم يكن ضعيفاً، وقد جاء عن غير واحد من السلف (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم: سهماً له، وسهمين لفرسه).

هذه الرواية صريحة أن للفارس سهماً وللفرس سهمين.

ومثله من رواية ابن عباس وأبي عمرة الأنصاري رضي الله عنهم: (ولو حضر بأفراس -جمع فرس- لم يسهم إلا لفرس واحد).

أي: لو يأتي بخمسة من الخيل أو ثلاثة أو عشرة أو أقل أو أكثر، وأراد أن يأخذ لكل فرس من هذا الخيل سهمين يمنع من ذلك.

وهذا مذهب الجمهور، فلا يسهم له إلا لفرس واحد.

والقائل بهذا المذهب: الحسن ومالك وأبو حنيفة والشافعي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهم.

أما الأوزاعي والثوري والليث وأبو يوسف رضي الله عنهم قالوا: يسهم لفرسين.

ويروى مثله أيضاً عن الحسن ومكحول ويحيى الأنصاري وابن وهب وغيره من المالكيين.

قالوا: ولم يقل أحد: إنه يسهم لأكثر من فرسين إلا شيئاً روي عن سليمان بن موسى: أنه يُسهم لما هو أكثر من ذلك.

لكن الأصل: أن من شارك في الجهاد بأفراس فمذهب الجمهور أنه لا يُسهم إلا لفرس واحد.

وغير الجمهور قالوا: يُسهم لفرسين دون بقية الأفرس، فلو أنه شارك بعشرة لا يُسهم إلا للاثنين، وفي الحقيقة ليس هناك دليل على منع إعطاء الأسهم لما هو أكثر من واحد؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (للفارس سهم وللفرس سهمان) والمعلوم أن الفارس صاحب الأفرس لا يجاهد إلا على فرس واحد.

والمعلوم أن بقية الأفرس لا قيمة لها حتى يستخدمها مجاهدون آخرون، ولو أنها تركت في الجهاد بغير قتال أو بغير فارس فإنها لا تنفع ولا تشفع حينئذ، فلا بد أن يوجهها وأن يركبها فارس مجاهد.

فتبيّن لو أن واحداً أتى إلى الجهاد راجلاً واستخدم فرس غيره: هل يُسهم له أو لا يُسهم؟ الذي يترجّح لدي أن هذا الفرس يُسهم له سهمان، لكن من يأخذ هذا السهم؟ هل صاحبه الذي يأخذه، أم الفارس الذي ركبه؟ هذه المسألة محل نزاع بين العلماء.