للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إثبات صفة القدم لله سبحانه]

المسألة الثالثة: (حتى يضع الجبار قدمه فيها).

وهذه من صفات الله عز وجل، مسألة القدم أو الرجل صفة ذاتية لله عز وجل، وإثبات الرجل والقدم لله عز وجل من صفات ذاته، ومنهج أهل السنة والجماعة في صفات المولى عز وجل ليس إقراراً فقط، إنما إيمان جازم يكون باللسان والجنان والجوارح.

وتعريف الإيمان: هو قول وعمل يزيد وينقص، قول باللسان، وعمل بالأركان، وكذا اعتقاد بالجنان، فلا أقول إقرار مع إمرار، أو إقرار وإمرار، وإنما اعتقاد وإمرار.

ومعنى هذا: أنني أعتقد أن الرجل ثابتة لله عز وجل على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى، ولا أخوض في كيفية الرجل، كيف هي؟ هل لها أصابع؟ هل لها أظافر؟ أعوذ بالله! فلا نعلم كيفيتها، ولا يعلم كيفيتها إلا الله عز وجل.

إذاً: أثبت النص عندي أن لله رجلاً، فيتوقف إيماني بهذه الرجل عند ثبوتها على المعنى اللائق لله تعالى، فلا أتعرض لها بالرد والإبطال، ولا أقول: ليس لله رجل؛ لأنه لو كان له رجل للزم أن تكون هذه الرجل جارحة، وإذا كانت جارحة فهي تشبه أرجل المخلوقين، هذا ضلال، كما أنه لا يصح لي أن أثبت الرجل لكني أؤولها وأصرفها عن ظاهرها.

أقول: نعم إن لله تعالى رجل لكنها بمعنى القدرة، فأنا أثبت الصفة لكني أولتها، فهناك من يعطل الصفات، وهناك من يصرفها عن ظاهرها، وهناك من ينكرها وينفيها تماماً، وهناك على المقابل من يثبتها ويشبهها ويمثلها بصفات المخلوقين، وكلا الفريقين ضلا في هذا الباب ضلالاً عظيماً، أما موقف أهل السنة والجماعة من صفات الله تعالى صفات أفعاله وذاته فهو: الإيمان بها وإمرارها كما جاءت دون خوض في كيفيتها، فنثبت الرجل لله تعالى على المعنى والكيفية اللائقة به سبحانه وتعالى، هو أعلم بنفسه وذاته وأسمائه وصفاته.

لكن المطلوب مني أن أومن بهذه الصفة، وألا أتوقف عندها للخوض فيها ومعرفة كيفيتها.

وكثير من أهل العلم وهم جمهور المتكلمين من الأشاعرة والفلاسفة لم يهنأ لأصل ذلك فقالوا: المراد بالقدم: المتقدم.

قالوا: ومعناه شائع في اللغة.

ومعناه: حتى يضع الجبار فيها من قدمه إليها.

وهذا التكلف حتى يهربوا من إثبات الصفة، ففسروا القدم بمعنى المتقدم، وهذا بلا شك ضلال بعيد.

والتأويل الثاني: أن المراد قدم بعض المخلوقين فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم حتى يضع الجبار فيها قدمه.

أي: قدم بعض خلقه.

والتأويل الثالث: أنه يحتمل أن في المخلوقات ما يسمى بهذه التسمية.

يعني: يمكن واحد من الخلق اسمه (قدمه) وهذا التأويل تأويل تافه.

فقالوا: (حتى يضع الجبار فيها قدمه).

أي: حتى يضع الجبار عبداً من عباده اسمه (قدمه).

وقالوا: ويجوز أن يراد بالرجل الجماعة من الناس، لأن أهل العربية يقولون لمجموعة من الناس: رجل مثل: العصابة وغير ذلك فإنه يطلق على العصابة أيضاً رجل.

قالوا: المقصود بالرجل هنا العصابة من الناس، ويجوز أن يراد بالرجل الجماعة من الناس، كما يقال: رجل من جراد.

أي: قطعة منه.

قال القاضي: (أظهر التأويلات أنهم قوم استحقوها وخلقوا لها).

قالوا: ولا بد من صرفه عن ظاهره، لقيام الدليل القطعي العقلي على استحالة الجارحة على الله تعالى.

ونحن معكم أنه تستحيل الجارحة على الله عز وجل، بمعنى أن الله تعالى لا توصف أوصافه بالجوارح، فالمخلوق صاحب جوارح، فهذه يدي جارحة، وعيني جارحة، وأذني جارحة، وأعضائي كلها جوارح، فلا يمكن أبداً أن نسمي صفات الله عز وجل بالجوارح، وإلا صرنا إلى التشبيه، وهذا بلا شك كفر وضلال.

فيقولون: لما قام الدليل القطعي العقلي على استحالة الجارحة على الله تعالى كان لابد من صرف الرجل، ومن صرف القدم.

ونرد عليهم: إذا كنتم تذهبون هذا المذهب فهل تؤمنون أن لله تعالى ذاتاً؟ لابد أنهم سيقولون: له ذات.

والمخلوق ذات، وأنتم تقولون أن لله تعالى ذاتاً، فلابد أن تصرفوا ذات الله عز وجل لأنكم صرفتم الأوصاف، لأنه ما من ذات إلا وهي موصوفة بأوصاف، فإذا كنتم صرفتم هذه الأوصاف فيلزمكم أن تصرفوا الذات، وأنتم تعلمون أن صرف الذات يساوي العدم.

فإن قالوا: الله تعالى عدم كفروا.

وإن قالوا: أنه ذات فيلزم من ذلك أن ذاته متصفة بصفة، فلا يلزم على مذهب القاضي عياض -وكان أشعرياً جلداً- تأويل صفات المولى عز وجل وتركها عن ظاهرها؛ لاستحالة الجارحة على الله.

نعم يستحيل على الله تعالى أن يوصف بالجوارح، لكننا نقول: نثبت له الصفات ونؤمن بها كما جاءت، ونمرها ولا نخوض فيها بتأويل ولا بكيفية.