للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جواز العمل بالخبر الواحد]

قال النووي: (في هذا الحديث: جواز مكاتبة الكفار ودعاؤهم إلى الإسلام، والعمل بالكتاب، وبالخبر الواحد).

قوله: (والعمل بالكتاب) أي: اعتبار أن هذا الكتاب حجة وإن كان خبراً واحداً.

ولا تزال الأمة تعمل بخبر الواحد في العقيدة والأحكام والآداب والأخلاق والمعاملات حتى ظهر المعتزلة ومن بعدهم من الفلاسفة، فأخذ الفلاسفة بمذهب المعتزلة، واستفادت المعتزلة من مذهب الفلاسفة بعد الترجمة في زمن الرشيد، فخرجوا عن الأمة ببدعة عظيمة كادت تهدم أكثر من نصف الدين، وأكثر من ثلاثة أرباع عقيدة التوحيد، وهذا مبني على قولهم المنكر: إن خبر الواحد لا يُحتج به في العقيدة.

وبعضهم يقول: لا يُحتج به لا في العقيدة ولا في الأحكام.

والذين يقولون ذلك إذا وافق النص أهواءهم احتجوا به حتى وإن كان نصاً ضعيفاً أجمع المحدثون على ضعفه، فتجدهم حين الحاجة إلى هذا النص يحتجّون به.

والأدلة على أن خبر الواحد حجة كثيرة في كتاب الله تعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، منها: أن النبي عليه الصلاة والسلام أرسل معاذاً إلى اليمن، كما أنه أرسل الرسل إلى شتى بقاع الأرض في ذلك الزمان يدعو الملوك إلى الإسلام، فأرسل واحداً إلى اليمن، وأرسل إلى الشام، وكلهم كانوا أفراداً.

ولم يقل النبي عليه الصلاة والسلام حينما أرسل معاذاً إلى اليمن: اذهب إلى اليمن لعلهم يقبلون منك وإن كنت فرداً.

وإنما أرسله وقال له: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب.

فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله).

وهذه عقيدة، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن خبر الواحد لا يحتج به في العقيدة لأرسل جمعاً من الصحابة يبلغ حد التواتر إلى أهل اليمن.

وكذلك أهل اليمن يعلمون أن خبر الواحد إذا صح وجب العمل به والصيرورة إليه؛ ولذلك لم ينكروا على معاذ أنه أتى فرداً، وإنما قبلوا منه وعملوا بمقتضى خبره في العقائد والأحكام؛ لأنه دلهم على العقيدة أولاً، فلما استجابوا لذلك ودخلوا في الإسلام -أمرهم بالصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك من فرائض الإسلام، مع أن هذا خبر واحد، وكذلك أرسل علياً بعد ذلك.

وأبو موسى الأشعري ذهب إلى أهل الكوفة، وعبد الله بن مسعود ذهب من قبله إلى أهل الكوفة، وغير هؤلاء ممن بعثهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى الولاة والأمصار أفراداً ووحداناً، بغير نكير لا ممن أرسلهم ولا ممن استقبلهم.

فهذا يدل على أن خبر الواحد معمول به بلا خلاف بين سلف الأمة.

أما الأدلة على ذلك تفصيلاً فمحلها كثير من الكتب.