للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تجهيز النجاشي أم حبيبة للنبي صلى الله عليه وسلم]

ومن محاسن النجاشي كذلك: أن أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب الأموية أم المؤمنين أسلمت مع زوجها عبيد الله بن جحش في مكة وهاجرا إلى الحبشة، فولدت له حبيبة ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إنه أدركه الشقاء فأعجبه دين النصرانية فتنصّر بعد أن كان مسلماً، فلم ينشب أن مات بالحبشة وهو نصراني مرتد، فلما وفّت العدة أي حينما وفّت العدة بتركه لها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها فأجابت، فنهض في ذلك النجاشي وشهد زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأعطاها الصداق عن النبي عليه الصلاة والسلام من عنده أربعمائة دينار ذهباً، فحصل لها شيء لم يحصل لغيرها من أمهات المؤمنين، ثم جهّزها النجاشي، وكان عمرها حينما قدمت المدينة بضعاً وثلاثين سنة.

وعن أم حبيبة: أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش وكان رحل إلى النجاشي، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها بالحبشة، زوجه إياها النجاشي ومهرها أربعة آلاف درهم من عنده، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة، وجهازها كله من عند النجاشي.

قال ابن سعد في سيرته: عن أم حبيبة قالت: رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش بأسوأ صورة وأشوهها ففزعت فإذا هو يقول حين أصبحت يا أم حبيبة! إني نظرت في الدين فلم أر ديناً خيراً من النصرانية، وكنت قد دنت بها، ثم دخلت في دين محمد فقد رجعت إليها.

قالت: فأخبرته بالرؤيا، فلم يحفل بها -أي لم يعبأ بها- وأكب على الخمر حتى مات، فأريت في النوم كأن آتياً يقول لي: يا أم المؤمنين! ففزعت فأولتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني.

وهي لم تكن بعد أماً للمؤمنين، ولكنها رأت في الرؤيا رجلاً يقول لها: يا أم المؤمنين! فما دامت ستصبح أم المؤمنين فالنبي صلى الله عليه وسلم سيتزوجها.

قالت: فما هو إلا أن قد انقضت عدتي، فما شعرت إلا ورسول النجاشي على بابي يستأذن، فإذا جارية له يقال لها: أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه -أي: العطر- فدخلت علي فقالت: إن الملك يقول لكِ: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب إلي أن أزوجك.

فقلت: بشركِ الله بخير.

قالت: يقول الملك: وكلي من يزوجك.

فأرسلت إلى خالد بن سعيد فوكلته.

وأعطت أم حبيبة أبرهة سوارين من فضة، وخواتيم كانت في أصابع رجليها، وخدمتين كانتا في رجليها.

فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين، فحضروا فخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام.

وهذا الكلام يحتج به ويقال من باب السنن في عقد النكاح.

قال: الحمد لله الملك القدوس السلام، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأنه الذي بشر به عيسى عليه السلام.

ثم خطب خالد بن سعيد وزوجها وقبض أربعمائة دينار، ثم دعا بطعام فأكلوا.

قالت: فلما وصل إلي المال عزلت خمسين ديناراً لـ أبرهة.

أي: خمسين ديناراً ذهباً، والدينار بحوالي مائتي جنيه.

أي: عشرة آلاف جنيه.

إذاً: فهذا مهر كبير جداً، ولكنه ليس كبيراً على أم المؤمنين.

قالت: فلما وصل إلي المال عزلت خمسين ديناراً لـ أبرهة، فأبت أبرهة، وأخرجت حقاً فيه كل ما أعطيتها فردته عليّ.

وقالت: عزم عليّ الملك ألا أرزأكِ شيئاً.

أي: أنقصكِ من مالكِ شيئاً.

ثم تقول أبرهة لأم المؤمنين: أنا لي عندكِ طلب واحد، وهو أن تقرئي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مني السلام، ثم جاءتني من عند نساء الملك بعود وعنبر وزباد كثير.

فقيل: بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة (٦هـ).

وقال خليفة: دخل بها سنة (٧هـ)، ولما توفي قال النبي عليه الصلاة والسلام للناس: (إن أخاً لكم قد مات بأرض الحبشة، فخرج بهم إلى الصحراء وصفهم صفوفاً ثم صلى عليه) فنقل بعض العلماء أن ذلك كان في شهر رجب سنة (٩هـ).

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصل اللهم على النبي محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم.